The text of the episode

الحلقة الخامسة

كيف نعيد إنتاج كون كونا فيه انسان هزمناه روحيا؟ جوفناه عقليا؟ جوفناه انسانيا؟ 

" كلما هُزم الإنسان العادي وتم إخراجه من العملية السياسية، وعدم تكوينه كفاعل تاريخي قادر على اتخاذ القرارات من أجل تغيير الأسس اللي بتعيد إنتاج حياته، بنلاقي انه الامور رح تسوء من أسوأ لأسوأ".

وخدمة القرض وإنتاج الديون الدولة هو عامل إيجابي طالما كان عامل اجتماعي وانتاجي ليس عامل خاص كما عندنا في الدول العربية لأنه هنا الدولة تقترض لطبقة تحكم. 

بمجرد ما تفتح سوق التجارة وسوق النقد وانت صناعاتك ضعيفة مقارنة بغيرها يُقضى علينا وهذا ما جرى بطبيعة الحال.

أهلا بكم إلى الجزء الخامس من هذا البودكاست الذي نتحاور فيه مع المفكر الاقتصادي على القادري

هذا الجزء، سيتناول الحوار النهج الاقتصادي والسياسي الذي يتبناه الرئيس الاميركي دونالد ترامب، أو ما يعرف بالترامبية، وأثره في إعادة تشكيل الأوضاع الاقتصادية والسياسية عالمياً، متلمسين خلال ذلك التعرف على مدى انفصال هذا النهج، أو تقاطعه مع التطور التاريخي لمؤسسة الحكم الأميركية.

كما سيتناول الحوار قضية انقلاب الترامبية على مبادئ الليبرالية الاقتصادية والعولمة ومفاهيمها، والحروب التجارية التي يشنّها على خصوم وحلفاء بلاده على السواء، في مسعى لتعزيز مكانة الولايات المتحدة بوصفها القوة المهيمنة كونياً، ولوقف تراجع قوتها الاقتصادية، ومنع صعود أي منافسين محتملين لها على هذه المكانة، وفي مقدمتهم الصين، وبشتى الوسائل سواء المالية والتجارية منها، أو العسكرية المتمثلة بتغذية النزاعات والحروب، وخصوصاً في منطقتنا العربية.

للوهلة الاولى، يبدو النهج الذي يتبعه ترامب ارتجالياً فوضوياً ولا يعبّر عن رؤية سياسية مترابطة أو فلسفة محددة، وعلى الأقل متفرداً ومنقطعاً عما استقرت عليه تقاليد واستراتيجيات مؤسسة الحكم الأميركية عبر تاريخها، والتي أكسبت البلاد مكانتها كقطب مهيمن في العالم. لكن هناك من يرى أن هذه القراءة قد تكون متعجّلة، من حيث أن نتائج هذا النهج لم تتبلور بعد لنستطيع أن نكون متأكدين من الأحكام التي نطلقها.

بدءًا، أود أن أوضح أنه في سياق التطور التاريخي للمؤسسة الأمريكية، هناك دائمًا في جدل التاريخ تقاطع وتواصل، أو تواصل وتقاطع. لكن ما رأيناه أو ما يُحكى أنه مثلًا في الحرب التي شنتها أمريكا على العراق أنها كانت ظاهرة تقاطعية، نفت كل ما سبقها من السياسة الخارجية وكانت تطور مختلف عما سبق في السياسة الخارجية الأمريكية وهو نوع من التقاطع في ظاهرة الامبريالية من حيث تجليها في ممارسة مؤسساتها على صعيد السياسة الخارجية.

الناخب الأمريكي قام بإعادة انتخاب بوش الإبن مرة ثانية رغم ما حصدته حرب العراق من مأساة على الإنسانية، لأن حرب العراق لم تكن فقط حرب على العراقيين. نحن عندما نتكلم عن سيطرة أمريكا على منطقة ذات أهمية استراتيجية مثل منطقتنا، أو أضعاف... وهذا لا يعني السيطرة أنهم فقط يضعون أقدامهم على الأرض ويكون لهم مراكز قوة ومراكز عسكرية وإلى ما هنالك. ليس هذا فقط هو عنوان السيطرة.

ونحن كذلك، يعني من هنا، نحن ككل، نرى في ترامب وفي هذه الظاهرة الجديدة، لا نرى انقطاعًا مع ما سبقه تاريخيًا، إنما نرى أن هناك لملمة أو إعادة ترتيب لمنظومة رأس المال. طبعًا هناك أزمة لدى الإمبراطورية الأمريكية، نحن نتكلم عن إمبراطورية أمريكية التي هي تجلس على رأس الهرم الإمبريالي الكوني الذي له امتدادات في كل مكان من خلال علاقاته الاجتماعية وعلاقاته السياسية.

بالتوازي مع الجدل حول مدى تواصل وتقاطع نهج ترامب مع السياق التاريخي الأميركي، هناك جدل آخر لا يقل حدة حول ما إذا كانت سياساته تشكل انقلاباً على النظام العالمي الذي أنشأته بلاده وحلفاؤها الغربيون بعد الحرب الثانية، وبما يتضمنه هذا النظام من مفاهيم العولمة والتجارة الحرة والسلسلة القيمية العالمية بصورتها الحالية. 

وفي هذا الصدد أيضاً، هناك من يرى أن تلك السياسات لا تمثل ردة، بل هي بمثابة تكتيك مرحلي يهدف إلى تدارك التدهور في حالة التفوق الأميركية، ووقف صعود الصين التي باتت تشكل تهديداً وجودياً لهذا التفوق.

رأس هذا الهرم وجد نفسه في عملية اضمحلال نظرًا لإعادة نوع من الروح لروسيا، والتطور الصيني. وجد هذا الكيان نفسه امام .... أزمة ويريد أن يحلحل هذه الأزمة، والأزمة هي أنها أتت من حيث لا يدري، أتت من العولمة، لأن العولمة والحجم الذي اكتسبته الصين من خلال العولمة هو كان إلى حد ما نذير الموت لأمريكا، ونوع من.... ما تخشاه، أو ما لم تتوخاه أمريكا حصل في صعود الصين. فهي الآن في إعادة ترتيب منزلها من أجل وقف صعود الصين. 

يعني بما أن العولمة كانت هي أساس.... وتوسع الاقتصادي الصيني العالمي هو أساس البنيان الصيني فلا بد من ردع هذا النمو الصيني بقدر الإمكان بحيث نقدر أن نُحجّم هذا النمو الصيني. ومن هنا اتخذ ترامب منحى الحمية الاقتصادية، منحى رفض التوسع على أساس نفس الأسس العولمية. وهذا ليس تقاطعًا مع ما سبق إنما هو نوع من الذكاء التاريخي، طبعًا نحن لا نتكلم عن ذكائه أو غبائه فهو لا يمثل شخصه. ترامب إنما علاقة اجتماعية تعكس كل ما لدى المنظومة الرأسمالية بذكائها أو بغبائها، لأنه ليست ذكية أو غبية، باستمراريتها بعملياتها الاستمرارية.

إنما هنا تعكس نوع من الذكاء التاريخي. يعني ذلك رأس المال الذي قدر، رغم كل أزماته في القرن العشرين، أن يستمر وأن يُفوت الفرص على أي بديل اجتماعي قادر الآن على إعادة بنيان نفسه بطريقة الحمية الاقتصادية. أي بطريقة ابتعاده عن العولمة واستمراره بخط التوسع الهمجي كما سبق وتوسع فيما قبل. هو لم يتخلى أبدًا عن الهمجية لكنه لا يريد للصين أن تكون قوة موازية له، لا يريد أن يشارك.

منطقتنا العربية ذات الموقع الاستراتيجي والموارد النفطية، شكّلت ولا تزال أحد ساحات المواجهة الدائرة رحاها بين الصين والولايات المتحدة. فعلى مدى العقود القليلة الماضية، سعت الأخيرة إلى تغذية الحروب والصراعات في المنطقة لتحقيق أهداف عدة، من بينها زعزعة استقرار وثبات إمدادات الطاقة، والتي هي أساسية لاستمرار دوران آلة الإنتاج الصينية.

لأنه إذا استمرت الصين على ما هي عليه نحن نعرف أنه في السنوات القليلة المقبلة، هي فعليًا الآن القوة الكبرى، لكن ستكون كذلك نقديًا هي القوة الكبرى. فنجد أن الترامبية بسياسات زرع النزاعات، تقوية النزاعات، وبالذات عنا في المنطقة، إعادة لملمة العناصر الرجعية الأساسية في ائتلاف واحد ضد إيران. والحرب ضد إيران ليست حرب ضد إيران، هي فعلًا حرب ضد روسيا والصين، إلى حد كبير ضد الصين لأنه روسيا لن تتأثر كثيرًا بالحرب ضد إيران لكن ستتأثر الصين كثيرًا بهذه الحرب.

وربما بعض الأزمة لأن أزمة الصين لا زالت هي حاجتها للطاقة وأي حرب في الخليج ستؤثر على العجز الصيني وربما كذلك سيكون لهذا تداعيات على المديونية الصينية في الداخل. فالمقصود هو الآن تفكيك الصين أو إضعاف الصين إلى حد تفكيك البنية الصينية كليًا بالشكل الذي كانت عليه في القرن التاسع عشر عندما كانت دويلات صغيرة كالبرتغال تقتطف من الصين بعض مكاو وتضع أقدامها على أراضٍ صينية.

فنحن أمام هذه الصورة، الترامبية لا أراها كتقاطع تاريخي إنما أراها كنهج. هي استمرارية للعلاقة السابقة وإعادة تنظيم البيت بحيث أنه يكون أكثر ارتكازًا على الأسس التي بنته في الأساس، وهي أسس النزعة الهمجية، والنزعة الهمجية نزعة الحروب هي كذلك في نفس الوقت هي في حد ذاتها غاية ووسيلة. فهي وسيلة لإعادة بناء القوة، وهي غاية في ذاتها لأنها لها الحرب في ذاتها، هي كذلك إنتاج لسلعة الهدر والموت وهذه أكثر السلع في إعادة تكوين القيمة لمنسوب الأرباح.

مع سعيه المنفلت للحفاظ على التفوق الأميركي، شن ترامب حروباً تجارية، ليس ضد الصين فحسب، بل وأيضاً ضد جارتيه كندا والمكسيك، ثم حليفته تركيا. كما لم يوفر شركاؤه الأوروبيين، فبات يعاملهم بمنطق التاجر ويطالبهم بسداد فواتير دفاع بلاده عنهم ضد الخطر السوفيتي سابقاً والروسي حاليا. 

هي إذاً عملية إعادة ترتيب ولملمة لأوراق القوة، لكنها تدار بعقلية تجارية شرسة لا تقيم وزناً لمفاهيم المنافسة الشريفة والديمقراطية وحقوق الإنسان، والتي لا يرى فيها ترامب سوى عوائق تحد من قدرته على مجابهة المارد الصيني.

 الصين بيقولوها النمسس، يعني نذير الموت لأمريكا. وهي فعلًا هلق أكبر من أمريكا، بالاقتصاد الحقيقي الكلي كحصة من السوق الدولي العالمي، هي أكبر من أمريكا. لكن أمريكا ليست لوحدها، أمريكا لديها شماعات وقماعات وإلى ما هناك، بما فيها أستراليا واليابان وأوروبا إلى حد ما لأنهم مسلوبي السيادة، لا زالوا مسلوبي السيادة وينضوون تحت المظلة الأمريكية. 

 فأمريكا طبعًا لا زالت تشكل الحصة الأكبر من الناتج القومي، ولذلك ترامب ممكن أن يحشر أصدقاءه الأوروبيين عندما يقول لهم أريد منكم أن تدفعوا أكثر لأنه نحن نحميكم. فهذا ليس غباءً، رأس المال ليس غبي، رأس المال دائمًا ما يعرف أن الأولوية هي للسلطة والأولوية هي للقوة. فهم من غير الممكن أن يكونوا مجتزئين لهذه الحصة النقدية من فائض الإنتاج الدولي إلا بسبب قوتهم، وقوتهم هذه مستمدة من قوة أمريكا. 

 فما قاله ترامب لهم عندما قال لهم يجب أن تدفعوا أكثر للناتو وللعسكرة وإلى ما هناك، هو صحيح. يعني هما يقولون لهم فري رايدرز، أنتم تركبون بدون أن تدفعوا فعليكم أن تدفعوا، وهذا صحيح! هذا أمر معروف! والأمر الآخر المعروف، كفانا من هذا الحديث عن حقوق الإنسان، نحن قوة وفي بعض الأحيان نريد أن نستعمل القوة من دون اللجوء إلى لغة حقوق الإنسان والآر تو بي وإلى ما هنالك.

 لا نريد أن نتغطى  بورقة تين كديمقراطية في كل الأحيان، وحقوق إنسان أوراق التين هذه ونريدكم انتم أصدقاء أمريكا الذين كسبوا كثيرًا من قوة أمريكا في اجتزاء حصة كبيرة من الفائض القيمة الدولي المنتوج بعرق جبين العالم الثالث وبضحايا العالم الثالث أن تكونوا أنتم مساهمين أكثر في تغطية تكاليف القوة والسلطة هذه. فالصين ليست في مواجهة أمريكا وحدها، ما فعلته الصين هو غير مسبوق. 

حتى اليوم، تتبنى الدول العظمى قاعدة ضمنية تقوم على تجنّب المواجهة العسكرية المباشرة فيما بينها لإدراكها بأن ذلك قد يؤدي إلى حرب نووية مدمرة لكل الأطراف، وبالتالي فهي تستعيض بحروب يخوضها وكلاء نيابة عنها. ولكن، في ظل إدارة ترامب الذي يصعب التكهن بنواياه وتصرفاته، أصبحت هناك خشية حقيقية من أن يجري كسر القاعدة، وبما يقود العالم إلى نتائج لا يمكن تخيلها.

ويما يكتب عن الموضوع هو أن الصين ممكن أن.... ما من تحول تاريخي في هذا الشكل إلا وانتهى بحرب. والحرب الآن كما سبق وقلت ليست واردة لأن الشتاء النووي هو... الكل يعرف أن الشتاء النووي هو النتيجة المفرغة والنتيجة الحتمية لأي عملية حرب.

فلذلك الحروب بالوكالة هي الحروب التي نراها اليوم. فحرب سوريا مثلاً أو حرب أوكرانيا ليسوا بالفعل حروب أمريكية روسية إنما روسيا تتحرك في ظل هذه المعية الصينية الكبيرة التي تحولت كونيًا. هذا هو الوضع! والأمريكان والأوروبيين واليابانيين وإلى ما هنالك واعين إلى هذه المشكلة، لكن الصين أذكى، دائمًا في ذكاء تاريخي. التاريخ عقلاني، نحن لا نريد أن نقول الذكاء التاريخي، إنما هناك عقلانية تاريخية أو ممكن أن نعقلن التاريخ. 

العقلانية التاريخية هي أن هناك نوع من تقارب أو تقاطع المصالح ما بين الصين والعالم، فالعالم لا يقدر اليوم أن يُهمش الصين لأنه حتى في آسيا أكثر دولة تتبادل مع اليابان هي الصين وليست أمريكا اليوم. يقال أن 70% من التداول التجاري لكوريا الجنوبية هو مع الصين، ثلث الاستثمارات الصينية في طريق الحرير الجديد الذي بنته الصين، اللي تستثمر فيه الصين هي في سنغافورة مثلًا، اللي هي المركز المالي الرابع أو الخامس دوليًا.

فنحن أمام مرحلة تحول في البنى الاجتماعية لدول كانت مملوكة أمريكيًا باتت القيادات المهيمنة في هذه الدول أكثر ارتباطًا اقتصاديًا بالصين مما هي أمريكا. فلما اشترت مثلًا اليابان غواصات أو طائرات أمريكية جديدة مثل ال أف 35 كانت محرجة. قالت نحن محرجون، نحن لسنا بحاجة إلى هذه الطائرات لكنا نشتريها لنوع من الولاء المكلف لأمريكا، ولكننا لسنا بحاجة لهذه الطائرات.

إلى هنا نكون وصلنا إلى ختام هذا الجزء من البودكاست الذي نحاور فيه المفكر الاقتصادي علي القادري، على أمل اللقاء بكم في الجزء التالي، والذي سنتطرق خلاله إلى ثنائية الثروة والقوة العسكرية التي أتاحت للولايات المتحدة أحكام هيمنتها على العالم، قبل أن نعود إلى تجربة الصين التي استطاعت تأسيس قوتها الاقتصادية عبر انتهاج سياسات وطنية سيادية تقوم على التحكم برأس المال، وسبب فشل دولنا العربية في اللحاق بركب الصين وتأسيس عملية تنمية ذات جدوى.

كما سنعرج على تجربة صعود دول أميركا اللاتينية في العقد الأول من القرن الحالي، في ظل حكوماتها الاشتراكية الوطنية، ثم انتكاسة تلك التجربة والأسباب التي قادت إلى هذه النتيجة. وأيضاً سنتناول مساعي الغرب لعزل روسيا، وريثة الاتحاد السوفيتي، واحتمالات تطور المواجهة الاقتصادية والحروب بالوكالة التي يخوضها الطرفان إلى مواجهة مباشرة من شأنها أن تكون مدمرة في ظل تلويح كل منهما بالقوة النووية.

طبتم أوقاتا، وإلى ذلك الحين،