وداد

وداد

في بودكاست "دُمْ تَكْ" لمعازف ومنصة صوت بنروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابتلهم وجعة راس بحياتهم...

The text of the episode

وداد

لمّا هالفنانة قالت "بتندم .. وحياة عيوني بتندم"، كأنّها كانت بتعنيها من كل قلبها بغضب ونقمة. محطات مسيرتها ارتبطت دايمًا برجّال، ابتداءً من والدها، لحبّها الأوّل، ولتجاربها العاطفيّة وزمالاتها الفنيّة. أغلبها بلّش عسل وانتهى بمرارة. 

عم نحكي عن بيبي. عن بهيّة. أو وداد.

مرحبا فيكم ببودكاست "دم تك" لمعازف ومنصة صوت. أنا رنا داود. بهالبودكاست منروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابلتهم وجعة راس بحياتهم، بس أنتجتلنا مخزون موسيقي منروّق نحنا فيه راسنا.

بالحلقة الثالثة من هالسلسلة رح نروي قصة المطربة وداد ورح نتعرّف على سلسلة تجارب مرّت فيها، حوّلت الندم لأغنية ما بتنتسى.

عام ١٩٣١، عمل فرج عوّاد، اللي هو موسيقي من حلب قاد فرقة منيرة المهدية في الثلاثينات، وزوجته المطربة الاسكندرانية صالحة المصرية بجولة فنية شملت مدن عربية مختلفة من بغداد للشام، مرورًا بالقدس وعالأغلب يافا، وصولاً لمصر، شي بسيط يصعب تصوره اليوم. خلال هاي الجولة، في تونس، أنجبت صالحة الطفلة بهية عوّاد. بطبيعة الأمر ربيت بهية بوسط ما بتنقطع فيه الموسيقى والأغنيات، ولا بيوقف فيه السفر. تنقلت الأسرة الصغيرة بين حلب وبغداد والقاهرة ومراكش وباريس، واستقروا في بيروت عام 1940. ببيروت، وهي بعدها بعمر التسع سنين، بدت بهية تغني في بثٍ مباشر على الإذاعة اللبنانية أعمال للسنباطي ومحمد عبدالوهاب. وقتها أطلق عليها مدير الإذاعة فؤاد قاسم اسم الآنسة بايبي.

بينما كانت الآنسة بايبي توقف على كرسي لتصل المايكروفون، صار صوتها يوصل مستمعين كثار، حتى وصل لعبد الوهاب، اللي صدف انه كان في بيروت، وسمعها بتغني سجى الليل، قصيدة أحمد شوقي يللي لحنها هو. لما عرف إنها بعدها طفلةً ما تجاوزت الـ ١١ سنة، وسمع كيف أتقنت اللحن والتنقل بين النكريز والرست، اتصل ببيها وقال له: (بصوت شاب مصري) "إيه دي؟ دي كانت عاشقة وعمرها تلات سنين؟ دي بتغني إزاي؟ أنا عايز أطلعها من بيتي بنت عبد الوهاب."

بالرغم من أن والدها فنان، فرض عليها هذا الوسط، ودربها هو على الغناء، وسمحلها تطلع عالإذاعة، إلا أنه رفض جميع العروض الفنية المقدمة إلها عشان تتابع دراستها. وفعلاً، ضلت بهيّة تقعد بجنب والدها العوّاد الصارم بالساعات، يعطيها النوتة ويطلب منها أشياء بتفوق سنها بكثير. أستاذها الأول كان موجود دائمًا حوليها ليوجهها ويعلمها كيف تلعب بطبقات صوتها بين المقامات الصعبة.

بوحدة من الجولات التي كانت بترافق والدها فيها للقاهرة، اتصل حدا فيه وسأل عنها. كان الاتصال من فريد الأطرش هالمرّة، وطلب مقابلتهم لأن كان بده يعطيها دور في فيلم. راحت وداد وبيها ليقابلوه في استوديو القاهرة. البي ما عجبه اللي شافه هنيك، خصوصًا المشاهد الحميمة والبوس وهالقصص. لفورة غضب مسك شعر بنته الطويل وسحبها لبرا، وهي ما فتحت تما بكلمة.

يوم رَجعة العيلة عبيروت، فاقوا أهلها وما لقيوها. هربت وهي عمرها ١٥ سنة لتتزوج محمد عبده صالح، عازف القانون في فرقة أم كلثوم. غرّقها صالح بالوعود وقللها إنها رح تغني وتصير نجمة كبيرة. راحت معه على بروفات أم كلثوم وتعلمت كثير، بس لما طالبته بوعد تحقيق حلمها بالغناء اكتشفت إنه بغار. سكّر عليها كل الطرق وما ضل قدامها إلى إنها ترجع عبيروت، خصوصًا انه أهلها رفعوا دعوى قضائية على القانونجي، وساعدتهم أم كلثوم. دافع إم كلثوم مش واضح، يمكن الست كانت خايفة على بهية المراهقة وحبّت تحميها من قرار الارتباط المبكر… ما كان في أي طريقة إنها تبقى بهيديك العلاقة.

كل هالنكد ما منعها من إنها تضل تروح عالإذاعات اللبنانية لتغني. صارت توصل للمايكروفون برياحة وصار صوتها أكثر نضوجًا. بدوا الشعراء والملحنين يتسابقوا عليها، وفي كواليس الإذاعة اللبنانية تعرفت على الشا.عر الغنائي عبد الجليل وهبي.

سرق الشاعر قلبها بقصائده بعد ما نظم قصيدة لأمها التي اشتد عليها المرض في هذه الفترة. أخذتها همروجة الشاعر اللي كان عم يسطع مجده في نهاية الأربعينات، وتزوجته قبل ما تتم الـ ١٨.

"في الحقيقة لم يكن حباً عميقاً، فقد كنت مأخوذة بكونه شاعرًا كبيرًا يتهافت عليه الفنانون، ومن جهته كان معجباً بصوتي وبأدائي، ما أنشأ بيننا مودة كبيرة تحولت حبًا وإن لم يكن حباً جارفًا."

هالحب يمكن ما كان حقيقي وناضج، أو انه ناضج زيادة عن اللزوم، بس جرف بهية لتكون طرف في بناء الهوية الموسيقية للأغنية اللبنانية في مشروعها الأول.

قبل هالمشروع، تأثر الموسيقيين اللبنانيين من شعراء وملحنين ومغنيين باللهجة المصرية بسبب أول إذاعة عربية افتتحت في العالم العربي واللي هيه الإذاعة المصرية، عام 1935. لكن بعد استقلال لبنان في 1943 بدا مشروع لبننة الأغنية،  وأصدر مدير الإذاعة اللبنانية فؤاد قاسم أمر طلب فيه من الفنانين اللبنانيين انهم يغنوا بلهجتهم. 

إجا عبد الجليل وهبي بعدها ليكون من أوائل الشعراء اللي صنعوا مجد الأغنية اللبنانية، برفقة عدد كبير من الشعراء والملحنين، قبل ظهور الأخوين الرحباني بسنوات. شكل وهبي مع زوجته التي تحوّل اسمها إلى بهية وهبي والملحن فيليمون وهبي: الثلاثي وهبي. وحققوا نجاح كبير.

"كانوا يقولون في إذاعة الشرق الأدنى كلمات عبد الجليل وهبي، ألحان فيليمون وهبي وغناء بهية وهبي. حققنا شهرة ونجاحاً ساحقاً. وبعد توقفنا بفترة انطلق الأخوين الرحباني."

أثرى عبدالجليل المكتبة الغنائية اللبنانية وأسس قاعدة قوية لبناء مشروع الأغنية العامية، ومن بينهم أغنية عاللوما اللي غنّاها وديع الصافي في أواخر الأربعينات. بتقول بهية إنه في إحدى الأمسيات بعد ولادة ابنتها البكر فاطمة بثلاثة أشهر، زارهم وديع برفقة زوجته. في السهرة قعد عبد الجليل يلاعب بنته فاطمة ويدندن شعر كتبه إلها:

"عاللوما عاللوما يا حلوة يا فطومة 

دخل الله ودخل عيونك يا حلوة جننونا"

ما إن سمعه وديع حتى طلب منه إنه يعطيه القصيدة – وقلله انه رح يبدل اسم ابنته بكلمة مهضومة. ورغم طلب بهية بأنها تحصل هي على القصيدة اضطر الشاعر يستجيب لطلب رفيقه اللي كان في بداية مشواره.

هالأغنية، اللي سمعها وديع الصافي ببيت بهية، عن بنت بهية، وخطفها من تحت إيدها، غيّرت مسار وديع الصافي وكانت بداية شهرته وذيوع سيطه من بلاد الشام إلى مصر. 

بس شو كان صار لو أعطى الشاعر الأغنية لبهية؟ كان يمكن حتنافس فيها فيروز. خاصة وإنه الأخوين الرحباني أخذوا الكلمات وركبوا عليها لحن غربي مستوحى من موسيقى مسلسل تشارلي شابلن وخلوا فيروز تغنيه.

غنت بهية من قصايد عبد الجليل وهبي حوالي ثلاثين أغنية مفقودة أو يمكن مخباية في أدراج الإذاعة اللبنانية، وجابت منه ولدين إسمن فاطمة وعلي. بس الزواج ما استمر أكثر من خمس سنين بسبب خلافات شخصية رفضت بهية تحكي عنها. انفصل الثلاثي وهبي وانقطعت بهية عن الغناء لفترة قصيرة، خصوصًا انه امها وبيها توفوا بهذا الوقت.

رجعت عمصر كمان مرة وطلبت تقابل عبد الوهاب. وفعلاً التقت فيه وقالتله إنها إجت عالقاهرة خصوصي لتغني أعماله. قعد عبد الوهاب قبالها، واتطلع في صديقه المحامي مجدي العمروسي ووعدها إنها تغني أجمل ألحانه، بس بشرط أنها تعيد تقديم أغانيه القديمة. طلع مجدي العمروسي عقد وحطه قدماها، وطلب منها تحدِّد المبلغ اللي بدها اياه.

"قلتلو معلش سيبني أفكر أسبوع."

جواب بهية كان صادم، وآخر شي توقع يسمعه الموسيقار المعتد بنفسه. (بصوت شاب مصري) "شيل العقد" قال عبد الوهاب.

هيك انقطع التواصل بين بهية وعبد الوهاب إلى الأبد، وكتبت في دفترها الفني خسارة جديدة على قولتها وهي بتتذكر هي القصة في مقابلاتها بحسرة وندم. بعد ما توفى عبد الوهاب حاولت بهية تغني ألحانه، وسجلت أغنية من غير ليه، أذيعت لفترة على الإذاعات اللبنانية بعدين انتست.

من بروفات أم كلثوم مع زوجها الأول محمد عبده الصالح، إلى كواليس ولادة الأغنية اللبنانية مع عبدالجليل وهبي، دخلت بهية الاستديو مع الموسيقار اللبناني توفيق الباشا، وكان زواجها الثالث اللي أثرى حياتها الفنية. كان توفيق الباشا في بداية حياته الموسيقية، اللي وقع بحب صوتها لبهية، اللي شبهه البعض بصوت الفيولا، عريض وهادي بنفس الوقت، واللي كان واضح انها مش قادرة تعطيه الاهتمام والفرص اللي بيستحقها. 

"تالت إنسان تزوجتو توفيق الباشا، حبيتو كتير حب فعلاً مش طبيعي، مش عاقل."

عمّق الباشا دراسته الموسيقية في الجامعة الأمريكية في بيروت، وصار قائد أوركسترا وكاتب من عصابة الخمسة التي تشكلت في الخمسينات. هي كانت مجموعة من خمسة موسيقيين: زكي ناصيف، عاصي ومنصور الرحباني وتوفيق سكر، حاولوا الانتقال من مرحلة تأسيس الأغنية اللبنانية لمرحلة جديدة بتعتمد على التوزيع الأوركسترالي الغربي.

قبل ما تبدأ بهية مشوارها الفني مع زوجها الثالث كان عليها أنها تختار اسم جديد. كأنها كانت عم تتحرّر من هويتها الفنية اللي اقترنت بطليقها عبد الجليل وهبي… هيدا غير إنو طلّع عيونها لطلّقها، وجرّب يبطل زواجها من توفيق الباشا… المهم، رجع الباشا في يوم من الأيام عالبيت بعد جلسة من جلساته المعتادة مع الأخوين الرحباني في إذاعة الشرق الأدنى، نادى عليها وقللها إنهم عملوا قرعة على عدد من من الأسماء، وانه فيروز سحبت ورقة وطلع اسم وداد.

هيك دخلت وداد مع زوجها الثالث مرحلة النهضة في تاريخ الأغنية اللبنانية. اعتمد الباشا على موهبتها وقدرتها على إيجاد المقامات، كان يعرف وين قوة صوتها، وكيف يتعامل معه ليحطه في قوالب غنائية متفردة نقلت إحساسها وحنان صوتها، وكان هيدا الشي واضح في أغنية الزفة الحزينة اتمختري يا عروسة اللي أعاد توفيق توزيعها تاركاً روح ملحنها السيد درويش تلعب بحنجرة وداد لتخرج بهذه البساطة الحلوة.

على الرغم من أن صوت وداد ما كان واسع، إلا أن الباشا استفاد من لون الصوت وبحته في موشحات قديمة. تعاون معها في عددٍ من الموشحات كـ لي حبيب من كلمات نزار الحر.

"توفيق الباشا بيغار لأنو عاصي الرحباني طرح عليه فكرة، قالو شو رايك نعمل مسرحيات  اختين فيروز الأخت اللبنانية وبهية الأخت المصرية، توفيق ما قبل وإلا وين كان اسمي وين؟"

بتتذكر وداد حقبة الباشا في حياتها، ويمكن كان أكثر شي آلمها أنها ما قدرت تعمل اللي بدها ياه. رغم قوتها وحِدَّتِها، كانت دايمًا تحاول تبقى وداد الهادية، التي بتحب تشدّ الرجال من دينتهم وبتهددهم إنهم رح يندمو، بس مع ذلك كانت تسامحهم دايمًا.

في 1963 دخلت وداد عقدها الثالث، وتطلقت من زوجها الثالث توفيق الباشا بعد ما جابت ثلاث أطفال منّه.. كانت علاقة وداد بالرجال عكسية، حبتهم بقدر ما خذلوها، وكرهتهم بقدر ما أعطوها، إلا سامي الصيداوي - اللي تعرفت عليه في بيت أهلها، وبقي صديقها الوفي في حياتها وفنها حتى آخر عمره.

الشاب الموهوب، اللي كتب ولحن الكثير من الأغاني وغنّاها أحياناً، لقى في وداد رفيقة إله. اشتغلوا ولحنو سوا، وتم تهميشهم سوا في ظل الرحابنة وزكي ناصيف وفيروز وغيرهم مِن اللي استأثروا بالساحة الفنية في أواخر الخمسينات.

كان يستمد منها قصص الندم واللوعة والهجران ليفرغ ما في قلبها على شكل أغنيات. ومن أشهر قصصهم، قبل طلاق وداد من الموسيقار توفيق الباشا، إنه قعدت بيوم على كنباية ببيتهم بعد خناقة تقيلة، وخافت من الوحدة، وهددت توفيق إنه ما يطلع برفقة سامي: "بتندم .. وحياة عيوني بتندم."

بعد أيامٍ غنت وداد هي الكلمات، اللي حطها سامي بقالب غنائي على مقام البياتي وقامت الدنيا وما قعدت، وصارت وحدة من أشهر أغاني الستينات، وأشهر أغاني وداد اليوم.

بعد انفصال وداد عن آخر أزواجها، مسيرتها الفنية انطفت شوي شوي.. ومتل كتار من فنّانات زمانها، ماتت عالسكت بالـ٢٠٠٩.

*****

قصة هالحلقة كتبتها نور عز الدين من معازف، وحررتها صابرين طه، ومنتجها تيسير قباني من صوت. وقدّمتلكم ياها أنا رنا داود، وساهم معي بأداء الأصوات نجاح مرضعة (بدور وداد) وهشام إسماعيل (بدور عبد الوهاب).

نسجنالكم قصّة هالحلقة على قدر المعلومات المتاحة إلنا. في روايات وردت بالسياق قد يشكّك البعض بصحّتها. إذا برأيكم غفلنا عن أي تفصيل، حتّى من غير قصد، خبّرونا على صفحات صوت على مواقع التواصل الإجتماعي.

وما تنسوا تشتركوا  بقناة دم تك على أي وسيلة بودكاست بتفضّلوها. 

تابعوا بودكاست "دم تك" بالحلقة الجاي لتتعرّفوا على سيرة فنانة عربية ثانية بتستحقّ نحتفي فيها. 

 

رصيد الأغاني بحسب ظهورها:

  • بتندم، وداد
  • أغنية البودكاست: لما بدا يتثنى، شيرين أبو خضر، دوزان
  • سجى الليل، محمد عبد الوهاب
  • خايف أقول يلي في قلبي، محمد عبد الوهاب
  • على حسبي وداب، عزف عود
  • تقاسيم بياتي، محمد عبده صالح
  • قمر يغريني، وداد
  • عاللومة اللومة، وديع الصافي
  • عاللومة، فيروز
  • أيها الشادي، وداد
  • من غير ليه، عبد الوهاب
  • أحب من الأسماء، فيروز
  • خبّر كل الناس، وداد
  • لي حبيب، وداد
  • دمعة وزهرة، وداد
  • تندم، وداد