Blog

مساحة: بودكاست جمع ٣٠ نسوية عربية للحديث عن القضايا الملحة في المنطقة

 

قد تختلف أيديولوجيات النساء في سياق النشاط النسوي، وقد تختلف أسبابهن وأدواتهن، إلا أن ما يجمعهن هو النضال من أجل واقعٍ عادل. وهناك جهود عربية بُذلت على مدى سنوات طويلة في سبيل العدالة، تجلّت في الفن والأدب والأكاديميا والصحافة ومختلف المجالات الأخرى، سعياً منها للتحسين من وضع المرأة في الوطن العربي. احتفالاً بهذه الجهود وتوثيقاً لها، اجتمعت حوالي ثلاثين ناشطة عُرفن لنضالهن من أجل أنظمة أكثر عدلاً في مجالاتهن المختلفة من التعليم إلى الاقتصاد والسياسة وغيرها لمناقشة بعض القضايا الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تواجه النساء العربيات ضمن بودكاست «مساحة»، أذكر منهن -مثالاً وليس تفضيلاً- سلمى النمس من الأردن، وأمل حجاج من الجزائر، وهانيا شلقامي من مصر، وسهير فراج من فلسطين، وبشرى بلحاج حامد من تونس وغيرهن من الناشطات العربيات.

طُوِّر هذا البودكاست ضمن مشروع النسوية السياسية الإقليمي لمؤسسة «فريدريش إيبرت» بالشراكة مع «صوت» كون كلاهما يؤمن بالدور المحوري للمنظور النسوي في حل القضايا الاقتصادية والاجتماعية والسياسة التي تواجه منطقتنا. ويسعى مشروع النسوية السياسة إلى تطوير استراتيجيات وبدائل نسوية مبتكرة للتحديات التي تواجهها نساء في جميع أنحاء المنطقة، كما يهدف المشروع إلى خلق مساحة للنساء من جميع أنحاء المنطقة لتبادل تجاربهن مع النسويات والجهات الفاعلة التقدمية الأخرى وإلى تعزيز التحالفات التي تربط بين الجهات النسوية مع بعضها ومع حركات العدالة الاجتماعية الأوسع نطاقاً. أغنية البودكاست أيضاً تتناول بطريقتها الخاصة ضيق المساحة المتاحة للنساء مقارنة بتلك المتاحة للرجال، سواء أكان ذلك في سوق العمل أو الأماكن العامة أو في المجالات العلمية والفكرية. 

 

أين تكمن أهمية وجود بودكاست كـ«مساحة»؟

سعى بودكاست «مساحة» لخلق حيز أو "مساحة" للنسويات من ٨ دول عربية للتعرف على القواسم المشتركة والاختلافات العابرة للحدود ومشاركة التجارب الناجعة لتطوير أساليب واستراتيجيات مبتكرة وبدائل نسوية لمواجهة التحديات الاجتماعية-الاقتصادية التي تواجه المنطقة العربية وطرحها للعامة. إضافة لذلك، فقد أتاح بودكاست «مساحة» حيّزاً للنساء من مختلف البلدان العربية ليستفدن من تجارب بعضهن البعض وليتناقشن في الأدوات والاستراتيجيات التي خدمت نضالهن وكيفية تطويرها. 

انطلق بودكاست «مساحة» من فكرة أن العدالة الاجتماعية لا يمكن لها أن تتحقق دون تحقيق العدالة الجندرية، وهي الفكرة الأساسية التي يستند عليها البودكاست في حلقاته جميعها بمختلف الأفكار التي تتطرق لها كل حلقة. خُصّصت الحلقة الأولى من البودكاست للحديث عن العدالة الاجتماعية من هذا المنطلق. وقد كانت هذه الفكرة حاضرة في كثير من المظاهرات التي شهدتها دول عربية عديدة؛ فكرة أن العدالة الاجتماعية الاقتصادية هي حق للمواطنات والمواطنين على حد سواء. في هذا السياق، تقول منار زعيتر، إحدى ضيفات الحلقة الأولى في هذا السياق:

"اليوم ما بقى فيكِ تحكي عن دولة، توصفيها إنها دولة ديمقراطية خارج إطار تحقيق العدالة بين الجنسين. ما فيكِ تحكي عن دستور مدني حديث إذا ما كان بيأمن بالعدالة بين الجنسين. ما فيكِ تحكي عن عدالة اجتماعية إذا النساء عم يتعرضوا للعنف، وإذا النساء مقصيات عن المشاركة بالعمل السياسي، وإذا النساء مش محميات ببيوتهن، مش محميات بأماكن عملهن."

 

هل الفكر النسوي جديد على المنطقة العربية؟

مع ظهور حِراكات مثل حِراك «طالعات» الذي بدأ في فلسطين ليصل فيما بعد ذلك إلى لبنان ومن ثم الأردن بدرجة أقل، قد يفترض البعض أنها "موضة" جديدة في الوطن العربي متأثرة بالحراكات النسوية الغربية. لكننا إذا ما أمعنّا النظر في تاريخ الحراكات النسوية في المنطقة العربية قليلا، سيتبين لنا أن الحراك النسوي ليس بغريب على الدول العربية، بل قد كان موجوداً حتماً. قد لا يكون قد سُمّي نسوياً منذ بدايته، قد تكون بدايته قد تُوِّجت بإنشاء تحالفات واتحادات نسائية، مثل اتحاد المرأة الأردنية الذي تأسس في أربعينيات القرن الماضي، والاتحاد النسائي في فلسطين، الذي انطلق من نابلس عام ١٩٢١ وأصبح اليوم يُعرف بـ «جمعية الاتحاد النسائي العربي» والتي سعت منذ انطلاقها إلى «تحرير النساء في نابلس بمحاربة الأمية والحرص على تعليم النساء» ضمن مساعٍ مجتمعية أخرى وكانت رؤيتها الأساسية هي «خدمات ودور أكبر للمرأة في تنمية المجتمع».

7erak
حراك «طالعات» في رام الله. المصدر: موقع متراس

 

تعبِّر هذه الحِراكات والاتحادات ببساطة عن استيائنا كنساء ومللنا وغضبنا من المنظومة التي بتنا نعيش تحت طاعتها، وهذا الاستياء يظهر في شتى مجالات الحياة، في الحياة العملية وفي الحياة اليومية وفي الحياة العائلية. 

نتذكّر استياءنا هذا عندما تعاملنا دولنا كمواطنات من الدرجة الثانية، لعل أبرز تجلٍ لذلك هو قوانين الأحوال الشخصية في البلدان العربية، تقول منال سعيد في الحلقة الأولى من مساحة "ما رح يحقق العدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين إلا الانتقال لقانون مدني للأحوال الشخصية بنكون فيه مواطنين ومواطنات متساويين ومتساويات قدّام القانون."

ونتذكّر هذا الاستياء عندما نجد أن مؤسسة الزواج لا تترك لنا حيزاً لتحقيق ذواتنا خارج إطار الأمومة ظناً منها أن التربية تقع على كاهلنا وحدنا، وإن حصل وكانت المرأة "محظوظة" بما فيه الكفاية واستطاعت أن تتخطى كل العقبات التي تحول بينها وبين سوق العمل، فإن مسؤولية الاعتناء بالأطفال والمنزل تبقى ملقاة على كاهلها وحدها. تقول لينا أبو حبيب، إحدى ضيفات الحلقة الرابعة من بودكاست «مساحة»: "العمل الرعائي المدفوع أو غير المدفوع هو عمل عبودية، هو خدمة شخص آخر إما بدون مقابل، أو بمقابل زهيد لأنه انت كإمرأة هذا متوقع منك اجتماعياً."

يزداد استياؤنا هذا حين يُنتزع منا حقنا في التحكم بأموالنا أو حتى تصرفاتنا من قبل نظام يجرّم حرياتنا.  ولعل القمع الحقيقي الذي نتعرض له هو المتاجرة بحقوقنا وممارسة الوصائية عليها، سواء أكان ذلك من قِبل منظومة ذكورية تكبّلنا مجازياً وحرفياً بحجة الشرف والدين أو منظومة رأسمالية لا تهمها حقوقنا بقدر ما يهمها الربح، سواء أكان ذلك من خلال إعطائنا أجور متدنية وظروف عمل غير لائقة أو من خلال تحقيق الأرباح على حساب عملنا الرعائي غير مدفوع الأجر. في هذا السياق، أقتبس سهر العالول من الأردن من مقابلتها في الحلقة الرابعة عشرة من بودكاست مساحة قولها: "هاي الأدوار مع الأسف مع إنها بتستهلك وقت طويل جداً وهي ما بتحقق ذاتها من خلال الأعمال الرعائية، التنظيف المستمر، أو رعاية أفراد الأسرة أو إلخ..  ما بيعترف بقيمتها المجتمع، وما بتدخل بحسبة الاقتصاد لكن بدونها عجلة الاقتصاد والاستمرار في سوق العمل بيتوقف. لأنه رعاية القوى العاملة هي الجهد والمجهود اللي بتقوم فيه النساء داخل المنزل، وهو عمل غير مرئي ومتوقع منها، كأنها هي خُلقت لهذا الشيء."

وأذكر أيضاً بعض الأفكار المهمة التي طرحتها ضيفات بودكاست مساحة في الحلقتين السابعة والثامنة حول الاستقلال الاقتصادي للمرأة. تقول هانيا شلقامي من مصر في الحلقة السابعة التي تتحدث عن الضمان الاجتماعي وشبكات الحماية الاجتماعية المتوفرة للمرأة "الاعتقاد أن التمكين الاقتصادي للمرأة هو تقليل من قيمة الرجل جوا الأسرة، الاعتقاد إنه كل ستات مصر أول ما حيبقى بإيدهم قرشين حيثوروا ويتمردوا ويبطلوا يطبخوا ويبطلوا يقعدوا مع العيال هذا اعتقاد خاطئ". كما تقول سلمى نمس من الأردن في الحلقة الثامنة التي تتحدث عن الاستقلال المادي للمرأة: "المؤسف انه الفتاة لما بتتصرف على خاطرها أو بحريتها على طول بنفترض إنه هذا يعني بالواقع هو سلوك رح يتحول لسلوك سلبي أخلاقيًا."

قد مرّ النشاط النسوي وتطور على مراحل أو موجات، بحيث مهّدت كل مرحلة للتي تليها، آخرها الموجة النسويّة الرابعة، والتي تعبّر عن موجة جديدة بدأت بالظهور قبل ما لا يزيد عن ١٠ سنوات، ومن أهم ما يميّزها أنها تستخدم التكنولوجيا باعتبارها منصة للتعبير عن قضاياها وهمومها. تتحدث الحلقة الثانية عشرة من بودكاست مساحة عن هذه الموجة وتقف عند أهمّ معالمها في الوطن العربي، كما تتطرق إلى التحدّيات التي تواجهها والمكتسبات التي حقّقتها إلى اليوم. أقتبس زينة ارحيّم من هذه الحلقة متحدثةً عن الحشد والتشبيك من منظور نسوي: "إحنا لما بنشتغل على مناطقنا بنبطل نشوف أي شي غير منطقتنا فبنطلع لما بنلتقى مع الناشطين والناشطات الأخريات منعمل zoom out [نكوّن منظور أوسع] وبنطلع من هذا الـfocus [موضع التركيز] بنشوف إنه لا، المشكلة أكبر والحلول أكبر والنضال أكبر. في هذا الإحساس إنه أنت جزء من حركة أو جزء من فعاليات مختلفة. أنت مانك [لست] كائن لحالك متل طحلبة تطوف لحالك في النهر، هذا كمان شعور مقوي ومعزز."

نتحدث في حلقات جديدة من بودكاست «مساحة» عن العمل الرعائي وعاملات المنازل المهاجرات والعمّال في القطاعات غير المنظمة وما يترتب عليهم في ظل الإجراءات المتخذة من قبل البلدان العربية لمواجهة فيروس كورونا. 

حصل بودكاست مساحة منذ إطلاقه وحتى تاريخ نشر هذا المقال على أكثر من ٩٠ ألف استماعاً نقل من خلالها أفكاراً مهمة في سياق النضال النسوي التي طُرحت في حلقاته. ونسعَد بمساهمتنا في توثيق التاريخ المسموع للنسوية المعاصِرة في المنطقة العربية بالشراكة مع مؤسسة «فريدريش إيبرت» تحت إطار مشروع النسوية السياسية.

كتبت هذا المقال نيابةً عن فريق «مساحة» جنى قزّاز.