حب بعيد وحلو؟

حب بعيد وحلو؟

في الحلقة الثانية من الموسم الرابع من "عيب"، هل بنقدر نقول عن الحب عبر المسافات إنه اختيار؟ هل بعض...

نص الحلقة

حب بعيد وحلو؟

 

فرح: محدّش لطّشلك كلام قبل، إنت يا عم بتنقّيهم؟

محمد: إنه آه يعني ما تشوف حد يعني، ما تشوف علاقة عادية تبقى جزء منها يعني. هو ليه يعني لازم الأمور تبقى عاملة كدا؟ بس إنه، هو مفيش اختيار، مش إن أنا اخترت إن أنا. يا جماعة أنا وهبت نفسي للنوع دا من العلاقات. لأ هو حصل بس إن أنا قابلت ناس عجبوني وحسّيت ناحيتهم بمشاعر، كان فكرة إنهم عايشين في بلد تاني في مكان تاني، يعني عنصر أساسي من الظرف اللي إحنا فيه يعني”

مرحبا، معكم فرح برقاوي. وهاي هي الحلقة الثانية من الموسم الرابع من بودكاست “عيب”. 

لما فكّرت بهالحلقة تحديدًا، فكّرت بعلاقتين عشتهن، علاقتين صعبين وانتهوا لأسباب مختلفة، بس الشي اللي بيجمعهم كان إنهم علاقتين حب عن بعد، ولما كانوا أصحابي عم بيواسوني، كان في جملة دايمًا بسمعها:

"مهيّ كانت علاقات بعيدة، هادا لحاله سبب كافي لإنها تخرب".

بس هادا الرأي بعمره ما أقنعني بشكل كافي. ولهيك، بهاي الحلقة عم بسأل 3 أشخاص، محمد وتالا وفراس: هل في حب بعيد وحلو؟

"في نوع من الوصم بيلاحق الناس اللي هي بتختار تبقى العلاقات البعيدة، وأنا بس بشوف إنه هو يعني، أولًا هو مش بالضرورة يبقى اختيار، بس هو كمان شيء بيحتّمه، يعني بيحتّمه حاجات كتير في حياتنا، بيخليه اختيار طبيعي ومفهوم، وببقى رافض أو منزعج من التعامل معاه على إنه نوع أدنى من العلاقات، أو علاقات مش جادة أوي بالضرورة”.

هادا صوت محمد، عمره 33 سنة، وبيشتغل بالكتابة الأدبية والسينمائية والترجمة. 

حديث محمد عن الوصم اللي بيلاحق العلاقات البعيدة وإنها مش بالضرورة اختيار لأبناء جيلنا، مش جاي من فراغ. 

بتقدروا تحكوا إنه هاد كان متل قدر ومكتوب عليه، بدأ من أول علاقة رومانسية عاشها وهو بأواخر المراهقة، 

علاقة بدأت وعاشت وانتهت على الإنترنت!

“أول شيء رومانسي فيه قدر من الرايح جاي يعني، كان مع بنت مصرية عايشة في أمريكا”

“هي طبعًا علاقتها بمصر كانت غير علاقتي بمصر تمامًا، هي بالنسبة لها مصر كانت أرض الإجازة”

“وأنا يعني طبعًا، علاقتي بالبلد وقتها مكنتش شبه دا خالص يعني”

“بس كان في حاجة محببة يعني في إن إحنا نقعد نتكلم يعني وأعرف عن حياتها. أنا مثلًا مكنتش فاهم خالص الجامعات في أمريكا بتمشي ازاي، فهي في الوقت اللي إحنا كنا بنتكلم فيه دا كانت قاعدة بتفاضل بإنها تروح تدرس إيه أو تدرس إيه أو تدرس إيه، وأنا بالنسبة لي الخيارات كانت بعيدة عن بعض بشكل غير مفسر، إيه دا مفيش علمي وأدبي وكدا؟ مفيش حاجات بتؤهل لنوع معين من الكليات تحديدًا أو كدا؟ فففففففااااااا"

“محمد: الموضوع قعد 3 سنين. ومراسلات بقى.

فرح: عمركم شفتوا بعض؟

محمد: لا عمرنا ما اتقابلنا. عمرنا ما اتقابلنا”

من بعدها، دخل محمد بعلاقات مشابهة، 

سواء مع بنات عايشين جوه مصر وبره مصر،

 بس ضلّت هاي العلاقات محدودة بالعالم الافتراضي.

بس بالنسبة لمحمد، كان الإنترنت، والمسافة الناتجة عنه، مساحة مريحة وممتعة لبدء العلاقات.

"مكنتش نوع الولاد  المثير للاهتمام للبنات في أوساطنا، سواء في دفعتي في المدرسة أو بعد كدا في الكلية" 

محمد كان مهتم بالقراءة والسينما، على عكس كتير من زملاؤه المراهقين وقتها، اللي كانوا بيهتموا بالرياضة أو إظهار القوة وأحيانًا العنف. 

من هون، غرف الدردرشة اللي انتشرت بهديك الفترة كانت بالنسبة لمحمد عالم بياخده على عوالم أخرى، وهو قاعد ببيته بحي الدقي في القاهرة،

وبما إنه الشيء الوحيد اللي فيك تعيشه مع شخص بيحكي معك من وراء شاشة هو تبادل القصص والأفكار والتصوّرات عن العالم، اكتشف محمد شوي شوي، إنه أكتر شيء ممكن يجذبه لشخصية ما بشكل رومانسي هو الإعجاب بأفكارها وكيف بتعبّر عن حالها وعن محيطها؛ 

ومقابل هاد الإعجاب ما كان يهتم كتير بالمسافة أو بصعوبة اللقاء. 

لكن بلحظة ما، صار في تحوّل بقصص محمد:

تعرّف على بنت جديدة. البنت كانت من فلسطين. والعلاقة كما هو متوقع بدأت أونلاين،

 بس هالمرة قرّر محمد والصبيّة إنهم يلتقوا. وطبعًا، كان لقاؤهم كتير صعب من ناحية الحدود، ولوجستيات السفر، والإقامة، والتكاليف، وغيرها من التفاصيل.

علاقة محمد بصاحبته هاي كمّلت عن بُعد مدة بتقارب السنتين، لكن برغم الأحاديث اللي ما بتخلص والاهتمامات المشتركة اللي جذبتهم بالأصل لبعض، عاشت العلاقة تقلّبات عنيفة. 

كان في توتّر كبير مرتبط بترتيب اللقاء الصعب بمكان وسط بين مصر وفلسطين، بالإضافة طبعًا لتكاليف السفر، بوقت محمد كان دخله محدود ومش مستقل بالشكل الكافي.

ومع الوقت، زاد التوتّر والضغط على العلاقة، اللقاءات القليلة والسريعة ما سمحت لمحمد وصاحبته إنهم  يعيشوا خبرات وذكريات مشتركة تعمل أساس قوي لعلاقة تقدر تكمّل، وهون، أخد محمد قرار الانفصال:

“الانفصال عمومًا حاجة مؤلمة جدًا، بس هو …. كان بيسهل الموضوع أوي إن أنا مش حقابلها يعني الوقت اللي أنا عشت فيه مع آلام الانفصال دا كان وقت مختصر جدًا بالنسبة للحاجات اللي أنا مريت بها اللي فيها احتمال إنك تقابل الشخص وتشوفه، وأصلًا مدى تمثّلك لألمه. مدى إحساسك بالوجيعة اللي انت تسببت بها للشخص يعني. لإن الموضوع في قدر كبير منه افتراضي، حقيقةً يعني.”

وهيك انتهت هالعلاقة بحياته، على أمل إنه يقابل شخص يقدر يعيش معه تجربة أفضل،

بس إنه الدنيا تبطّل تبعت بوجهه علاقات بعيدة؟

 أبدًا.

 بعد هالعلاقة، تعرّف محمد على صبيّة تانية، التعارف صار وجهًا لوجه هالمرّة من خلال أصدقاء، بس هي كمان طلعت عايشة ببلد تاني، وبعد سنة من علاقة عن بعد انتقلت هي على القاهرة. وهون كان في فرصة لاختبار التواصل والحياة المشتركة على أرض الواقع،  وخلال سنة عاشوها بنفس المدينة، اكتشفوا بينهم مجموعة من الاختلافات اللي أدت لإنهم ينفصلوا.

المسلسل، إذا بيسمحلي محمد أسميه هيك، ما خلص.

بعد الانفصال، محمد التقى بياسمين، بنت مصرية وعايشة متله بالقاهرة، بس للمفارقة،  ياسمين بهداك الوقت إجالها قبول بمنحة عشان تسافر برا وتعمل ماجستير:

“مش ممكن الحظ يعني، قصدي تاني الشغلانة السودا دي؟ أنا آخر وقت كنت فيه بقى كنت فيه من النوع دا من العلاقات كنت زهقت بقى أوي يعني، كنت إيه الموضوع مش حينفع حينفع، مش حينفع أنا تعبت"

مش غريب محمد يكون تعب.

لما بنحب عن بعد، بندخل بعملية تفاوض مع المسافة والسفر ووسائل الاتصال الحديثة وسوء الفهم اللي بينشأ من الرسائل  المكتوبة بدون ما نحس بالشريك ونشوفه. 

بنحاول نوازن بين واقعنا اللي عايشينه وواقع موازي بتخلقه هاي المسافات بيننا. وهالموضوع محتاج طاقة ومجهود كبير، كيف نخصّص وقت للشخص وندمجه بحياتنا؟ وكيف نوازن بين تواجدنا الافتراضي وحياتنا اليومية بمكاننا؟ 

“الموضوع يعني محتاج طاقة، إن إنت تخصّص وقت، وتركّز في تخصيص الوقت دا، وبعدين كمان بقى في حاجة اسمها سمارت فون، فانت ممكن تتكلم في أي حتة من أي وقت، أي حد حيبعتلك في أي لحظة وحيشوف إن إنت شفت، ولو مرديتش حيفهم إن إنت مرديتش، وحتبقى مطالب إن إنت تقول مرديتش ليه".

وبرغم كل الإحباط السابق والتعب،

 يعني...، 

فيكوا تعتبروا محمد شخص متفائل جدًا، 

ولهيك :) قرّر يغامر لمرة أخيرة ويدخّل ياسمين على حياته:

“كان في تقدير كدا إحنا الاتنين كنا متفقين عليه، إنه هو الموضوع شكله دا وقته، يعني شكله لو محصلش دلوقت مش هيحصل خالص، بس هو في نفس الوقت، دا أسوأ وقت ممكن أي حاجة تحصل فيه. فإحنا هنعمل إيه بقى."

وهيك، محمد وياسمين اتصاحبوا، وقبل ما تسافر ياسمين، حكالي محمد عن اتفاق معين عملوه بينهم:

“كنا متفقين إن إحنا، حندي الموضوع دا فرصة على الأقل لحد أول إجازة هي حتيجي فيها، يعني محدّش حيجي يقول أنا مش لاعب غير وإحنا قاعدين وشّنا في وش بعض بنتكلم عن اللي حصل، وبنقفله يعني بشكل decent يعني”.

سافرت ياسمين عأمريكا وبقي محمد لحاله بالقاهرة.

بنفس هاي السنة، كان في قصّة حب بعيدة تانية عم تبدأ بين شخصين آخرين في مكان آخر.

“كان في علاقة طرديّة مع البعد، كل ما بعّدنا عن بعض كل ما تقرّبنا لبعض أكتر، وهاد الإشي مع الوقت صرت خايفة منه لإنه صرت أحس إنه يمكن لازم أضل بعيدة عنه، فمكنتش عارفة يعني إذا رجعنا عشنا في نفس البلد رح نكون هالقد قراب، زي ما كنا قراب لما كنا بعاد عن بعض".

هاي تالا، عمرها اليوم تقريبًا 26 سنة،

 وعم تحكيلي…

 مش بس عن علاقتها بحبيبها باسم، 

لأ كمان عن علاقتها المعقدة مع المسافة. 

هي من عمّان وهو من القاهرة،

بس التقوا بلبنان وهم بيدرسوا بالجامعة.

كان عمرهم 19 سنة، وكانوا عايشين بمدينة جبيل، 

ومن هُناك بلّشت قصة حبّهم ومغامرتهم مع المسافة:

“بالبداية كانت علاقة فيها يعني شوي صعوبات أنا كنت عم بمر بظرف صعب في حياتي فكنت أنا نفسي مش مستقرة، لا نفسيًا ولا عاطفيًا، كتير كان في تردد من ناحيتي. بعدين أنا نقلت عبيروت، فبعدنا عن بعض، يعني كنا عايشين بنفس المدينة، صرنا بعاد عن بعض تقريبًا ساعة ونص بالسيارة، واكتشفت إنه أول ما بعدت عنه صار عندي شوق إني أشوفه كل أسبوع، صار في علاقة مبنية على التواصل وعلى التفاهم أكتر. بعدين كل واحد رجع عبلده فالمسافة كمان زادت أكتر وأكتر وصرنا نشوف بعض مرة تقريبًا كل تلاتة أو أربعة شهور، وبرضه كل ما بعدت المسافة كل ما أنا صرت حابّاه أكتر، وكل ما كانت العلاقة تبعتنا مبنية على تفاهم وتواصل مبني على الحكي ومبني على التفاهم.

ما فينا نختلف على إنه البعد صعب ومكلّف،

بس أوقات هادا البُعد بيخلق لنا فرصة لنستكشف ونكوّن حالنا بشكل مستقل عن شركائنا،

وهالشي صعب يصير بسلاسة لو إحنا عايشين بنفس المكان، 

وتحديدًا بمجتمعاتنا وفي محيط عائلاتنا الفضوليّة والزنّانة. 

ولهيك، المسافة نفسها ما كانت تحدّي بالنسبة لتالا، 

بالعكس، 

المسافة كيف هيّ بتشوفها، 

كانت سبب كبير في نموّ علاقتها وإغناء إحساسها بالأمان:

"أنا ما حسيتها كمان مشكلة عشان كنا صغار، وأنا كنت بدي حرّيتي وبدّي مساحتي، فحسّيت إنه بالعكس هاد الإشي عاد علينا بأثر إيجابي أنا وإياه. عشان هو كمان كان صغير، فادالنا حريّة إنه نكتشف حالنا أكتر، إنه أنا أطوّر حالي مثلًا بمهنتي، مع أصدقائي، ببلدي بشكل مستقل عنه، وهو كمان."

لكن هاي الاستقلالية الصحيّة ما بتتولّد بشكل تلقائي مع المسافة،

 في ناس كتير بتتحوّل علاقاتهم لعلاقات خانقة أكتر من لو كانوا عايشين بنفس البلد، 

خاصة إذا ما اشتغلوا على بناء الثقة بيناتهم:

"أنا بعلاقتي طبعًا كان في استقلالية كتير عالية، عشان، كنت أنا حرة بوقتي وكنت حرة بالأشخاص اللي أنا بطلع معاهم، كنت حرّة بتنظيم يومي"

“بس عشان أنا استمتع بهيك استقلالية، كان لا بد إنه الشخص التاني برضه يكون واثق فيي”

"عشان أنا بعرف صديقتي مثلًا كانت برضه بعلاقة عن بعد، و زي ما قلت يعني، كان يتحكّم فيها، عشانه مش موجود يعني. بيصير، زي كإنه لو كان موجود كان أرحم، يعني بيصفّي إنه، يعني بدّه يثبت حاله إنه موجود وهو مش موجود، فبيصير الموضوع معقّد أكتر بكتير من لو كان هو موجود وعادي شايفين بعض وجهًا لوجه."

مفهوم إنه بأي علاقة حب، الشركاء بياخدوا وقت ليبنوا الثقة، 

وليرسموا حدود الاهتمام والاستقلالية بيناتهم،

بس الحب عن بعد بيضاعف هاي المسؤولية، وبيصير ضروري نراجع باستمرار بعض الظروف أو التصرّفات اللي ممكن تخلق حساسيّات أو تزيد الإحساس بالمسافة بيناتنا. 

مثلًا، بالفترة الأولى بعد سفر ياسمين، كان محمد كتير حسّاس وأوقات مش منطقي بأفكاره أو ردّات فعله:

"كان في قلق مثلًا من جانبي دايمًا اتجاه إن ياسمين في مكان جديد، فهي أكيد مشغولة باستكشاف المكان الجديد دا، والحياة الجديدة والناس الجديدة وكدا، وإن (,,,,)، وإن دا بيحطّني فين؟"

في وقت أنا عايز، حد يهتم بيّا، أنا، كشخص يعني. فالموضوع دا طبعًا كان مصدر، كان مصدر توتر، قصدي يعني كان في أوقات كتير كنت ببقى اللي هو بقى، منزعج جدًا ومش عقلاني خالص بقى مش إن أنا غيران يعني، بس إن أنا طالب وجود معين في حياتي يعني.” 

وزي ما ظروف العلاقة والسفر بتخلق عدم توازن في التجارب اليومية اللي بيتعرّضها كل واحد من الشريكين، 

في كمان الفراغ وعدم الانشغال بشي تاني واللي غالبًا بيخلق ضغط كبير عالتواصل،

 وأوقات ممكن يتفاقم ويخلق مشاعر غيرة زائفة

وتعلّق غير متوازن لأحد الطرفين بالطرف التاني 

"زي ما ذكرت، إنه إحنا بعلاقتنا كان في كتير ثقة، فما كان في داعي إنه أضلني أسأله هو وين وإيش عم بيعمل، ومع مين طالع. وما كنت مهتمة يعني بهاي التفاصيل صراحة. يعني أنا كنت مشغولة بحياتي.

كمان الفضا كتير بيفرق، لما إنتي تكوني فاضية، أنا مرّات مثلًا لما كان يمرق علي أكم من أسبوع أكون فاضية، وهو يكون مشغول كتير، كان يكون في عدم توازن ويكون في مشاكل صراحة. عشان بكون أنا عم بسأل أكتر بكتير من ما هو بيسأل، وبقعد أفكّر ليه هو ما عم يسأل، وليه بينضغط لما أنا بسأل كتير مثلًا"

بس إذا علاقة الحب عن بعد بدها تكمّل،

 أي اتنين رح يكونوا مجبورين، سواء بشكل تلقائي أو مقصود، 

إنهم يوصلوا لتفاهمات حول كيف رح يتواصلوا، وكيف رح يتشاركوا، وكيف رح ياخدوا مساحتهم الخاصة بأثناء هالبعد!

"كتير أحيانًا بيصير إنه مثلًا بكون أنا مع رفقات عم إشرب كاس، وما برد لساعة ساعتين ونفس الشي هوّ يعني، ولا أنا ولا هو بناخد على خاطرنا لإنه فهمانين إنه ما عمّا يرد في شي، نقطة من أول السطر. ولما يكون في شي ضروري، في عنّا إنه كلمات أو مسجات، هيك كلمات نحنا طوّرناها بينات بعض، يلّي بتفسّر إنه أنا بحاجة لأنه نحكي"

فراس، شاب فلسطيني سوري مثلي بأوائل الثلاثينات.

بلّشت قصّته مع صاحبه "ريناتو" من لحظة ملل. كان كرهان الجامعة بكندا، وين كان عايش مع أهله اللي هاجروا هناك وهو صغير.

وقرّر ياخد وقت مستقطع من الدراسة ويسافر لفترة،

 بس ما كان مقرّر وين يروح.

 وبيوم، تعرّف على شاب إيطالي عن طريق واحد من تطبيقات المواعدة، 

وهاد الشاب عرض عليه يستضيفه إذا بيحب يسافر على إيطاليا:

"قلت لحالي أوكيه يلا، ليش لأ إنه رحت على إيطاليا ما كزّبت خبر يعني، وتعرّفت عليه، يعني قعدت. أربع أسابيع، بيناتهن أسبوعين عنده،

وبعد ما انتهت هالفترة، رجعت عالجامعة وعلى حياتي العادية، بنفس هالوقت هو قرّر إنه يجي لعندي زيارة، إنه بعد أسبوعين إنه مما رجعت على كندا".

هون، حس فراس إنه في شي حقيقي ممكن يتطوّر بينه وبين ريناتو، وما كان غلطان أبدًا.

يعني… مش بس إنه طلب السفر، والسفر أهداه علاقة، 

بس بنفس الوقت، هاي العلاقة منحته تجربة ما كان متوقعها ولا متوقع يتحمّلها...

"أول علاقتنا كان في كتير كتير غيرة، من قِبلي مش من قِبله، لإنه إحنا تعرّفنا عبعض أونلاين، فكنت دايمًا مثلًا شوف البروفايل تبعه أونلاين، شوف كيف تغيرت، شو عم يصير فيها، إذا حدا تاركله هيك، إذا تارك أثر عالبروفايل تبعه، هيك شي. بس بدي دائمًا شوف شو عم يعمل وهو بعيد عني"

هالغيرة شوي مفهومة، كون العلاقة بدأت أونلاين وعبر المسافة، وما كان في فرصة مشتركة لسه لبناء ثقة متبادلة بين فراس وشريكه.

بس الطريقة اللي أدرك فيها فراس هاي الغيرة، وكيف تعاملوا معها هو وريناتو، مش طريقة كل الناس بتتجرأ تجرّبها، أو يمكن بتجرّبها بس ما بتستحملها أو كالعادة ما بنسمع عنها بمجتمعنا:

"بالآخر استنتجت إنه هالإشي عم يحرق أعصابي كتير، وليش عم يحرق أعصابي، خلينا نحكي بالموضوع. ووقتها قرّرنا إنه لا خلينا نفتح العلاقة، ما بيصير لإنه، خلينا نكون صريحين بشو طبيعة علاقتنا وحاجاتنا الجنسية. وكمان هو ما كان خياري، كان شي أنا تقريبًا مُجبر عليه، كان الخيار يا إما بننهي العلاقة يا إما بنفتحها"

فراس بالأول كان رافض هاد الخيار تمامًا، يمكن عشان كان بيغار كتير وما عنده خبرة بهاد النوع من العلاقات المفتوحة، بس لسببٍ ما، قرّر إنه يتحدّى قلقه وخوفه ويجرّب لمدة شهر:

"كنت على وشك إني قرّر إنه خلص ما بدي، إنه إنت بسبيلك وأنا بسبيلي، بس بالآخر قرّرت إنه ليش لأ، إنه خلينا نجرّبها لمدة شهر، وهالشهر ضاين لحد هلأ يعني"

لمّا خلّص جامعة،

جرّب فراس ينقل على إيطاليا ويعيش مع صاحبه هناك، بس وضع البلد الاقتصادي ما كان بيسمح بفرص عمل جيدة.

 بنفس الوقت، ريناتو حياته كلها بإيطاليا، وصعب يترك أهله اللي بيقدّملهم دعم. 

وقتها... أدرك فراس وريناتو إنهم على الأغلب ما رح يعيشوا سوا بنفس المدينة، ولا حتى بنفس البلد، 

وهون طلب فراس إنهم يفتحوا علاقتهم عاطفيًا، مش بس جنسيًا؛ 

بالنسبة إله، البعد مش بس بيحرمه من التواجد الجسدي مع شخص، بس كمان بيحرمه من احتياجات عاطفية:

"عملنا اتفاق، وقلتله إنه أوكيه أنا بدي شوف ناس تانيين، يعني علاقتنا بعدا موجودة، وبعدها أهميتها نفسها بالنسبة لإلي، بس بنفس الوقت أنا بفضل نفتح العلاقة عاطفيًا، واقدر لبّي حاجاتي العاطفية من ناس تانيين، لإنه إنت مش موجود معي طول الوقت"

علاقة فراس وريناتو انتقلت من علاقة مغلقة تمامًا لعلاقة مفتوحة عاطفيًا

ومليانة مشاركة ومساحات استقلال مختلفة، مع حفاظهم على الالتزام الشديد تجاه بعض،

 التزام خلّى العلاقة عن بُعد نفسها ما تخلص لهلأ، 

ويمكن ما تخلص!

"ما كنت متخيّل حالي إنه بحياتي أوصل لعلاقة طولها 10 سنين. وخصوصي إنه بين رجال. قليلة كتير العلاقات اللي بتضاين فترة طويلة. بس بنضلنا نحكي أنا وإياه إنه نحنا بالنسبة لبعض عيلة. مش متل العيلة. نحنا عيلة. وعلاقتنا بتضاين شو ما كان"

"سلامات سلامات سلامات، يا واحشنا يا بلديات"

بس أغلب القصص اللي بنعيشها أو بنسمعها، بيكون البعد فيها عامل مؤقت فقط،

فترة بيحاول الشريكين فيها يحافظوا على العلاقة بأي شكل ممكن، ليجي اليوم اللي يقدروا فيه يعيشوا بمكان واحد! 

وهيك صار مع محمد. 

برغم إنه شهور السفر الأولى كانت أكبر اختبار لعلاقته مع ياسمين، إلا إنه أثناء أول زيارة لياسمين قدروا يحكوا ويتفاهموا على معظم اختلافاتهم، 

ووصلوا لتفاهمات مشتركة خلّتهم يستحملوا سنة ونص كمان من البعد

لحد ما هي ترجع عالقاهرة، وبعدها بسنتين يتزوّجوا.

تالا وباسم كمان تجوّزوا من سنة ونص تقريبًا، بس بعد ما قعدوا بعاد عن بعض 4 سنوات، ومع إنه ديناميكيات العلاقة بالبعد ما كانت مُجهدة بالنسبة إلهم، التحدّي الأكبر خلال علاقتهم البعيدة كان تبرير سفر تالا على مصر لإنها امرأة ورايحة تشوف حبيبها لحالها:

“من ناحية كان أسهل إنه أنا أروح على مصر عشان فرق العملة، أنا كتير أرخصلي أروح على مصر مما هو يجي عالأردن، بس من ناحية أخرى كتير أسهل إنه هو يجي على عمّان عشان هو الرجل”.

"أهل البنت بيخافوا عليها كتير أكتر من أهل الولد، والضغوطات عالبنت كتير أكتر من الولد. فهو أهله طبعًا ما بسألوه وين رايح ووين جاي. أنا طبعًا أهلي بيسألوني وبدهم يعرفوا وين رايحة ووين قاعدة ووين نايمة وإيش بدي أعمل وليش، وكل هاي التفاصيل”

أوّل مرة جرّبت تالا تزور باسم، كان لما رجعت على عمّان بعد ما انتهت دراستهم بلبنان. تالا كانت لسه عايشة دور إنها مستقلة براسها، وناسية شو يعني واحدة ست ترجع تعيش مع أهلها بمجتمعنا:

“عشان كنت مستقلة يعني، أو مفكرة حالي كنت مستقلة بلبنان، فرجعت، ذكرت لأهلي إني أنا رح أروح على مصر بس ما أخدت تصريح منهم. قلتلهم رح أحجز تزكرة، رحت حجزت تزكرة وحطيتهم بالأمر الواقع. طبعًا قامت القيامة وما قعدت. وكيف بتحجزي تزكرة ووين بدك تقعدي ووين بدك تنامي، وليش وإيش بدهم يحكوا عنك أهله، وخليه هو يجي، ويعني كل هاي الأمور. وبالبداية شرّطوا علي إنه أقعد مع ستّه، عشان كانت عمارة عيلة، واتفقنا يعني عملنا مساومة، قلتلهم خلص يعني أنا أصلًا مش رح أقعد معاه، رح أقعد مع ستّه، وفعلًا هاد اللي صار، بس كان الشرط إنه المرّات التانية حد يرافقني. وهاد الشي اللي أنا ما كنت مبسوطة منه وما صار..."

تاني مرّة راحت تالا عمصر، كانت سفرة خاصة بالشغل، 

وهاي كانت حجّتها لتتفادى شرط أهلها، 

ومن بعدها ضلّهم الاتنين يتحجّجوا بإنهم مسافرين عشان شغل أو تدريبات، لحد ما بلحظة، تالا زهقت من كل هالتمثيلية:

“برضه هاد الإشي متعب عشان بيخليكي تعيشي بحياة مزدوجة. يعني إنتي بتقولي للناس إنك رايحة بشغل بس إنتي فعليًا رايحة عشان تشوفي حبيبك، والشغل يعني بيجي على جنب. هاد التناقض كتير كان عاملّي مشكلة، ووقتها قلت خلص يعني إذا رح يسهّل الموضوع إنه أنا أخطب. خليني أخطب”.

تالا وباسم خطبوا بعد سنتين من البعد، مش لإنه كانوا بيفكّروا بالزواج بهداك الوقت تحديدًا، بس عشان يخلصوا. وبعد سنتين تانيين تحت غطاء الخطبة، تزوجوّا وانتقلت تالا لتعيش بالقاهرة.

في شغلة أخيرة ما بينفع نتجاهلها لما نحكي عن الحب عن البعد.

وهي فترات اللقاء المؤقتة والمسروقة من هالمسافة اللي بتفرّقنا عن الحبيبة أو الحبيب.

"في شي غريب بيصير كل مرّة بنلتقي، إنه منلتقي عمومًا هيك أسبوع، عشرة أيام، ودايمًا قبل بيومين تلاتة من ما أوصل بتكون علاقتنا كتير متوترة، لإنه لازم نزبّط كتير لوجستيات بين بعض وأنا مش شاطر بتزبيط اللوجستيات. بعدين، أول ما أوصل بيكون لساته هاد التوتر مكمّل، تالت يوم رد بنتعود على وجود بعض بحياتنا اليومية، بيضلّه هاد الشي هيك لحدّيت آخر يوم، آخر يوم رد بيرجع التوتر لإنه إحنا عم نترقب إنه، إنه رد تعوّدنا على بعض، وبدنا نتعوّد إنه نبعّد عن بعض".

فراس وصاحبه صرلهن على هالحالة 10 سنين. وحاليًا، فراس صرله كام سنة مستقر ببيروت، وريناتو لساته عايش بإيطاليا. 

فراس بيسافر كتير بسبب شغله، وهالشي بيوفرلهم فرص لقاء كل 3 أو 4  شهور.

بس بعد كل هالسنين، ورغم توتّرات اللقاء والوداع واللوجستيات،

فراس لخّصلي هاي العلاقة وهاد الحب بإنه ريناتو هو عيلته اللي كانت من اختياره، 

حتى لو عن بعد:

"بالإيطالي في طريقتين تحكي لحدا بحبك"

"Ti voglio bene هي شغلة بتحكيها للناس يللي جزء من عيلتك صاروا، بينما Ti Amo هي فيها هيك شي مشبع بالوله، أنا وريناتو إنه Ti Vogliono bene ، أنا وإياه بنحب بعض بهاي طريقة العيلة، يللي ما فيها هيك، بصلتها مش محروقة، مش طول الوقت لازم نحكي ساعة عالتليفون طول الوقت، بس لما نحكي، خمس دقا2يق بيكفّوا"

توترات اللقاءات القصيرة مش بس بتخلقها ترتيبات السفر، ومش بس عشان هاي اللقاءات رح ترجع تخلص. 

"أكتر شي كنت أرتبك منه، كنت لما آجي أزوره في مصر، وأنا مش متعودة إنه أقعد كتير بالسيارة، بعمّان يعني المسافات كتير قريبة لبعض. بمصر يعني ممكن أقل مشوار نص ساعة، وإحنا متعودين بس نحكي مع بعض زي ما قلتلك، لما يكون حب عن بعد، أنا بس بقدر أحكي معاه، ببعتله صورة، ببعتله فيديو، عن مثلًا الطلعة اللي أنا طالعتها بس يعني التواصل مبني على التواصل الشفهي خلينا نحكي" 

"فلما كنت آجي عمصر، وكنا نقعد بالسيارة يعني ساعات، كنت أرتبك. أول ما يخلص الحكي، كنت أحس إنه أوكيه يعني ما في إشي نحكي عنه، يعني إحنا مش لبعض، يعني في خلل بالعلاقة عشان ما في إشي نحكي عنه. "

“العلاقة صارت مبنية كتير عالحكي لدرجة إنه لما بطّل في حكي صرت أخاف. بس بعدين اكتشفت إنه هاد الإشي كتير طبيعي، وبالعكس يعني بلّشت أحاول أستمتع بهادا الهدوء، أو بهادا الملل، إذا بقدر أحكي، اللي هو مش ضروري دائمًا يكون في أكشن، يكون في إشي نحكيه لبعض عادي"

صعب اختصار الحب عن بعد، لإنه بطبيعته في مسافة، والمسافة بتخلق عوالم وتجارب وقصص ما بنقدر نتجاهلها. 

كيف بنحكي؟ كيف بنحل المشاكل؟ كيف بنقضّي وقتنا لحالنا؟ وكيف بنشرك اللي بنحبها أو اللي بنحبه ببعض التفاصيل؟ وبالآخر لوين بنروح!

هاي كانت الحلقة الثانية من الموسم الرابع من بودكاست “عيب” من إنتاج صوت.

وصحيح، "الحب عن بعد" بشكله المجرد، لا هو محرّم ولا هو عيب، بس الحيل اللي بنلجأ إلها والخيارات اللي بناخدها وإحنا بعلاقات عن بعد، هي اللي لسه جزء كبير من المجتمع ما بيحكي فيها، وأوقات بيعتبرها "عيب".

غيّرنا أسماء بعض الأشخاص بهالحلقة بناء على طلبهم.

 

الأغاني اللي سمعتوها كانت:

الوضع الإقليمي، لزياد سحّاب

بحب أغيب، ليسرا الهوّاري

كل ما تروح، لتانيا صالح

ياللي بعدك ضيّع فكري، بصوت سارة النويوي

سلامات سلامات، لنادية مصطفى

وريناتو، للمغنية الإيطالية مينا

 

أخرج هالحلقة صوتياً تيسير قبّاني، حررتها وأشرفت على إنتاجها صابرين طه، وكتبتلكم وقدّمتلكم إياها أنا فرح برقاوي.