ارتباكات الحب والأذى

ارتباكات الحب والأذى

في الحلقة الرابعة من الموسم الرابع من "عيب"، نشهد على رحلة امرأة في اختبار حب مختلف لأول مرة، وكل ما...

نص الحلقة

 عن الحب والارتباك 

il faut savoir، أو “الواحد لازم يعرف” أو “على الشخص أن يعلم”، أغنية للشاعر والمغني الفرنسي شارل أزنافور، واللي بيخاطب فيها المستمعين، ومن خلالهم بيخاطب حاله كمان، بنبرة أكيدة جدًا، عن ضرورة الصمود في وجه الصعاب، وعن حماية الكرامة بأي ثمن، وعن المضي للأمام بدون النظر للخلف، عن الخروج من العلاقات لما بنلاقي الحب عم بيروح، عن مواجهة التعلّق، حتى لو كلّفنا مداراة الألم بوضع قناع يومي.

وبعد 3 دقائق من الكلام المليء باليقين، بيقول المغني أزنافور لحبيبته: "بس أنا بحبك كتير، بس أنا ما بقدر، ومع إنه كل الّلي قلته ضروري، أنا ما بعرف كيف أعمله.”

مرحبا، أنا فرح، وهاي حلقة جديدة من الموسم الرابع من بودكاست عيب من إنتاج صوت.

 هالحلقة بتحكي قصّة مليئة بالارتباك عم بتعيشها امرأة على مشارف الثلاثين.

في جزء من هالارتباك بيشبه التناقض والتحدّي اللي بيحطّهم شارل أزنافور قدام عيوننا بآخر أغنيته اللي حكيتلكن عنها. يعني، مزيج بين الحكمة أو شو المفروض الواحد يعمل، والاستغراق في علاقة بطّلت تعطينا اللي كنا بنحتاجه منها. 

لكن بالقصة اللي رح نعيشها بهاي الحلقة، الارتباك بياخد أبعاد أخرى، لإنه بيحدث ضمن تجربة حب مختلفة، تجربة مربكة للي عم بيعيشوها، و ولا حدا منهم معه وصفة الطريق فيها، وكمان محكومة تبقى بالعتمة، لإنها بأحسن أحوالها رح تنشاف "غريبة" أو “مثيرة للجدل” بس غالبًا رح تنشاف "محرّمة" أو بكلمة واحدة "عيب".

صفاء، شابة تونسية بأواخر العشرينات. حكتلي إنها من كام سنة كانت عم تبدأ وظيفة في مجال جديد.

المكان كان جديد عليها، وكمان الأشخاص، وفي غمرة فترة الاستكشاف هاي، بدأت قصّتها:

"من الحاجات اللي جذبتني في العالم هذاك شخص معين، الشخص هذاك منعرفش عليش وكيفاش اهتميت بيه، عليش موجود؟ فيش يعمل؟ فيش يخدم؟ يمكن الغموض اللي كان داير بيه خلاني نبحث، خلاني ندخل بروفيلو في الفيسبوك، خلاني نلوّج في تصورو، خلاني نتفرج. عليش؟ 

هون، استوقفت صفاء شوي قبل ما تكمّل، قدّرت إنها ممكن تكون مرتبكة بأول الحكي، بس الشخص اللي عم تحكي عنه بصيغة المذكر، كانت صبيّة، واحدة ست، أو زي ما بيقولوا عن البنت في تونس "طفلة أو بنيّة".

كوني حبيبتي اللي بتغزّل بطلعتها، اللي بتبسّم لضحكتها، كوني صديقتي كسيرتها تبدل عيون وبتزكر ريحتها – هدى عصفور 

بالأول، كانت صفاء والبنت اللي أثارت فضولها بيتبادلوا الأحاديث العابرة. بس تدريجيًا تقرّبوا من بعض، وصاروا يحكوا عن تفاصيل حياتهن وعائلاتهن وهواياتهن وقصصهن العاطفية. 

ومع مرور الأيام، لقت صفاء حالها عم تغوص أكتر وأكتر بحياة البنت، وعم تتورّط عاطفيًا بدون تفكير. كانت لأول مرة بحياتها بتحس بشيء تجاه امرأة، شيء ما كانت عاملتله أي حساب!

"من وقتها...عاطفة، تولدت فيا تجاهها، كبرت نهار بعد نهار، نهار بعد نهار، نهار بعد نهار. شعور منقولش إنو شفقة لانو الشفقة هي شعور بالمسؤولية، برشا حاجات كنت نحس فيها ضايعة، ديما دي جات تقولي عندي أسئلة وجودية، كنا ديماً نقعد في نحكي على الأسئلة الوجودية اللي يجو في مخها هي وكيفاش تحب تخرج تقري، كيفاش ايش تعمل."

"وكنا نحكي في برشا حاجات، في علاقاتنا، علاقاتي أنا مع الأولاد، علاقتها هي مع الأولاد"

بعدها بفترة شاءت الصدف إنه صديقتها الجديدة تنتقل لنفس الحي اللي هي ساكنة فيه.

وبوقتها الرابط اللي بيجمعهم كبر كتير، كانوا يروحوا عالشغل سوا ويرجعوا سوا، ويقضوا تقريبًا كل وقتهن سوا. 

وبيوم، صار بينهم وبين صديقة ثالثة حديث، وبنص الحكي حكتلهم هالصديقة إنها بتفضل العلاقات العاطفية مع النساء على العلاقات مع الرجال. 

بس للصدفة الغريبة، من قبل هاي القعدة كانت صفاء حاسة بطاقة غريبة من طرف صديقتها الجديدة.

"صارت كأني تلميحات, أنا كنت نتساءل في مخي شنوّه تقصد بيهم؟ هل تقصد بيهم هاك؟ هل هي هاك؟

بعد القعدة مع صديقتنا في نهار، كنا خارجين نعملو دورة بالليل، (كانوا طالعين مشوار بالسيارة) بعدها تعدينا على داري قعدنا في داري،

رجعوا على بيت صفاء، وكمّلو السهرة والأحاديث، ويومها صارت بينهم أول علاقة حميمية.

"ما حكيناش فيه الموضوع، ما تناقشناش فيه. اللي كان مخوفني إنو ممكن يفسد علاقتنا لا ميفسدش. تعاودت التجربة هذيك مرتين تعاودت. من بعد حكينا فيه قلنا إحنا في إيش قاعدين نعملو؟ لازم تقف الحكاية ولازمنا نحافظو على صداقتنا."

"بحذا حبيبتي تحلا السهرية، بحذا حبيبتي تحلا السهرية"

لما حكوا باللي صار، اتفقوا إنهم يتفادوا حدوثه مرة ثانية حفاظًا على صداقتهن. بس اللي صار بالواقع، إنه التواصل استمر وما وقّف.

وما رجعوا حكوا فيه. ولا عن نوع الالتزام اللي بيجمعهم. ويمكن عدم الحديث عن الموضوع كان بمثابة مساحة حريّة لإلهن يواصلوا حياتهن فيها بدون ضغط.

مضى على هالحال أكثر من سنة.

"محكيناش اللي إحنا مع بعضنا ولا احنا نخرجو مع بعضنا لا! أما اللقاء الجسدي ولّى يتواصل، وليت أنا نقعد بحذاها برشا في دارها، نبات بحذاها، نحكو ديما مع بعضنا معناها علاقتنا كانت متطورة بشكل كبير إلى أن دخل شخص في حياتها"

الشخص هاد كانت بتعرفه صديقتها من قبل، وكان في اهتمام بسيط بينه وبينها في بداية قصّة صفاء معها، لكنهم حكوا بالموضوع وتوقّف. وبعد مرور سنة كاملة من الصفاء التام، دخل القلق والوجع حياة صفاء من أوسع باب، زي ما دخل قبله الحب: 

"لاحظت اللي هيّ تغيرت، وأنا من عادتي نحب المواجهة، يخي سألتها واجهتها"

سألتها لو هي رجعت تحكي مع الشاب

"قالتلي ايه، قلتلها باهي احنا كيفاش؟ قالتلي نحب ناخدو هدنة."

جواب الحبيبة على صفاء بخصوص علاقتهم كان إنها طلبت منها بريك أو مسافة

الموضوع مع الشاب استمر لعدّة أيام فقط، ورجعوا تصالحوا.

"رجعنا تصالحنا وحكينا وقلتلها أنا ما عادش مستعدة للوجيعة ما عادش مستعدة. قالتلي إيه صاي، قلتلها ما عادش بش ترجع، قالتلي لا"

صفاء سألتها لو رح تفكّر ترجعله مرّة تانية، وحبيبتها قالت لأ. بس ما مرق شهر زمان إلا ورجعت تحكي معه. وهالمرة الموقف أخذ بُعد جديد:

"قلتها إيش صار؟ قالتلي يحبنا نخرجو مع بعضنا. قلتلها إنتي شنو؟ قالتلي قلتلو أوك أني معاك."

حبيبتها قبلت عرض الشاب إنهم يكونوا في علاقة، وبنفس الوقت لما صفاء راجعتها بالموضوع كان ردّها غريب، قالتلها: تقلقيش العلاقة هاي مش رح تستمر.

بس علاقة الحبيبة بالشاب استمرّت، وصفاء لاحظت تغيّر كبير بتصرّفاتها ودرجة تواجدها معها، وبعد وقت بسيط صارت بينهم قطيعة، أو بالأحرى صار بينهم سلسلة من الرايح والجاي، من البرد والدفء، من الجفاء والقرب، من التخلّي التام والتواجد التام. 

" كي ترجع كل مرة نرجع تبكي و أنا منلقاش راحتي كي معاك وأنا توحشتك وأنا. وأنا بكل منعرفش نسميه نرحب بيها وكأنو ما صار حتى، شي وكأنو ما في حتى شي رغم إني من الأول كنت رافضة وجوده تماماً. وصلت حتى إني قابلة وجوده معناها"

"بتناديني تاني ليه؟ وانتي عايزة مني إيه؟ ما انتي خلاص حبّيتي غيري، روحي للي حبّيتيه."

صفاء ما قالت لحبيبتها روحي للي حبّيتيه.

الوضع استمر على هالمنوال لشهور طويلة. وحبيبتها رايحة جاي مثل الشبح. شهور بتشبه الموت البطيء اللي بيتخلّله جرعات مكثّفة من الحياة.

"ضعفت. أنا شخص مكنتش نصور روحي اني أنا منضعفش للدرجة هذيك، شخص ميحبش يوري دموعو، ما يوريش دموعو في أقصى حالات الضعف، وليت نبكي.. بكيت قدامها، بكيت على خاطرها برشا برشا شفت طبيب نفساني، ولّيت ناخذ فيه دواء وليت ما نجمش نرقد من غير دواء".

والعلاقة اللي كانت بيوم من الأيام تبدو إنها علاقة حب، تحوّلت شوي شوي لتعلّق مؤذي. شيء بيشبه الإدمان. لحظة بنحس فيها فوق كتير، ولحظات بننزل تحت الأرض.

وبين تحت وفوق، بنكون عايشين بمزيج غريب من الانتظار والقلق وعدم الأمان والغضب والانكسار والإنكار والاستنكار والشوق والشك بحالنا وبالآخر.

"وحدة من أعز صديقاتي قالتلي ما تقبلش وجودها هي على حساب كرامتك أما أنا قبلت"

"اللي نشوفو أنا غريب في الحكاية، اللي رغم الوجيعة اللي هي كانت كبيرة كبيرة برشا، اللي خلتني ندخل في حالة اكتئاب واللي خلتني نمرض، واللي خلتني وليت نحس روحي جثة من غير روح. فقط لازمني نهز روحي في الصباح، نمشي نخدم باش ننجم نعيش"

"الغريب في هذا كله، في كل مرة ترجع أنا نسامحها، في كل مرة ترجع أنا نستقبلها بأحضان."

"و نكره الـقلب الـلي يحبّك، لي ما بقى لُه مقام ف قلبك

اللي بعتهُ و هوا شاريه"

مؤخرًا كنت عم بقرأ كتاب "كل شيء عن الحب" للكاتبة والمفكّرة النسوية والناقدة الثقافية "بيل هوكس"، واللي بتتناول فيه عدة جوانب نفسية وثقافية واجتماعية أثّرت على رؤيتنا للحب، ورؤى جديدة للحب والعلاقات.

واحدة من أهم الأفكار بالكتاب هي عن ارتباك مفهوم الحب عند الناس، وكيف تشرّبنا من كل المنتوجات الثقافية والاجتماعية حولنا إنه الحب والإساءة، الحب والعنف، الحب والإهمال ممكن عادي يجتمعوا. مش بس ممكن يجتمعوا، لأ كمان ممكن ما نفكر إنه إحنا بعلاقة حب لو ما تأذينا أو أذينا.

مقابل هالمفهوم المربك وغير المعرّف والمؤذي أحيانًا للحب، بيل هوكس بتدعونا بالكتاب للتفكير بالحب على إنه النيّة والعمل على العطاء والاستثمار في نمو شخص ما، والشخص هاد ممكن يكون الحبيب أو الصديق أو ممكن يكون إحنا. ومن هالمنطلق، مش ممكن الحب والإساءة والأذى يجتمعوا على طاولة واحدة. ممكن نسمي اجتماع العاطفة والإساءة أي شيء، بس ما نسميها علاقة حب.

وكبديل للارتباك، بتقول بيل إنه عشان نكون عم بنعيش الحب بشكل فعلي، محتاجين نتعلّم كيف نخلط عدّة مكوّنات مع بعض، وهي الاهتمام، والشغف، والاحترام، والالتزام، والثقة، والنزاهة، والتواصل المفتوح والشفاف، وكمان المسؤولية. وهاي المكّونات محتاجين نستثمرها مش بس في العلاقة مع الآخر، بس الأهم كمان، نستثمرها في حالنا.

صفاء وقعت بدائرة مفرغة من التعلّق والأذى. وكل دورة جديدة بهاي الدائرة في شرخ جديد في قلبها، في تنازل ما عن قيمتها، في تخلّي عن نفسها هي وعن احتياجاتها ورغباتها مقابل إنها ترضي الآخر ومزاجيته واحتياجاته.

"مقابل هذا هي مش مقدرة، أنا كنت ديما نقولها أنا مانيش طالبة منك حتى شيء، لا إني طالبة منك إهتمام ولا إني طالبة منك رعاية ولا إني طالبة منك إنك تسمعني، خاطر انا شخص نجم ندبر أموري بروحي وكيف نحتاجش نكون نعرف نكون نمشي معناها. قلتلها أنا ديمة محتاجة منك تشوف بركة تقدر الحاجات اللي أنا نعملك فيهم".

ونحب الـلي تعدّب لك قلبك، كيما آنا هكذا يجرى لك

ات ولّي ات قول آش ادّى ني ليك (سعاد ماسي)

ومع هاد التنازل والتخلّي، كان عم ينمو إحساس موازي للحب، إحساس غيظ شبيه بالكره، خلّى صفاء اللي عم تتوسّل الحب من شخص لا رجاء فيه، تكون عنيفة أحيانًا في التواصل مع حبيبتها، وأوقات كمان من كتر الألم والإحساس بتصغير النفس، كانت تفكّر بالانتقام بس تخلي أفكارها مكبوتة بصدرها:

"ساعات تقلي ردوود فعلك تكون عنيفة جدة كي نتخالفو كي نتعاركو خاطر جست هي متقدّرش معناها الحب اللي أنا أعطيتهولها"

"الغريب في هذا كله اللي كل مرة نحب ننتقم منها، نحب نوجعها، ما نجّمش، ما فهمتش معناها علاش؟"

صفاء بتضّلها تردّد كلمة "الغريب". مستغربة استهانة حبيبتها باللي عم تعطيها إياه، واللي مستغربته أكتر هو حالها، وتماديها في التواجد والقبول بوضع بيتنافى معه الحب.

علاقة الحب صارت كائن مُربك، كائن مسموم، تصرفاتها وتوقعاتها فيه بيخبطوا في بعض، وحتى مفهومها للتقدير فيه صار مرتبك. شو هو التقدير اللي عم تنتظره من حبيبتها إذا ما كان اهتمام وحب وتواجد واستماع؟

و هون سألت صفاء شو عم بتقدّملها هاي العلاقة فعليًا؟

"سؤال من أصعب الأسئلة اللي يجوا لمخي، واللي إلى حد هذه اللحظة أنا كشخص مالقيتلهوش إجابة. إسألتهولها هي على فكرة إنت شنوه قدمتلي؟ قالتلي ممكن حاجة ما يعرفوهاش العباد/ واللي ما يحسوهاش، اللي هو الأمان. ما نتوافقش معاها برشا في الحكاية خاطر أنا من قبلها هي كنت عايشة معناها عايشة حياتي بصفة آمنة وبصفة طبيعية جداً ورايضة وهادئة عالآخر."

الحبيبة بتشوف إنه صفاء أعطتها الأمان. وصفاء بتشوف إنها كانت عايشة بأمان وهدوء من قبل ما تدخل الحبيبة حياتها. 

رجعت سألتها عنها هي، هي شو إجابتها على هاد السؤال:

"حقيقة منعرفش شنوه قدملي الشخص هذا، شنوه قدملي بالضبط؟ منعرفش. اللي نعرفو اللي هو في يوم ما حبني، في لحظة من اللحظات حبني، كان مستحق لي، كان يوصل يقولي زعما يجي نهار وتخليني؟ هذي الحاجات اللي يمكن زادت خلتني نتعلق بيه أكثر، كانت إجابتي منخليكش خاطر منجمش نعيش بلاش بيك"

صحيح الحب في جزء كبير منه عطاء، أو مثل ما بتشير له بيل هوكس إنه "النيّة والعمل على العطاء والاستثمار في نمو شخص ما"، لكن بكتير أوقات ممكن علاقة الحب هاي تتحول لعلاقة اعتمادية بيرتبك فيها مفهوم الحب والتعلّق وسبب الحياة، بنفكّر إنه مش قادرين نعيش بدون الشخص، وبننوهم بإنه قيمتنا الشخصية بتزيد كل ما قدّمنا للشخص التاني، كل ما احتاجنا، كل ما أنقذناه، كل ما قاللنا "خليكي معي. وإوعك يجي نهار وتتركيني"، بينما إحنا عم نكسر قيمتنا كل يوم ومش عم نحصل على شراكة حقيقية.

وصحيح الأوقات الحلوة بالعلاقة، ووجود الشخص بكتير مواقف وأحاديث، بيخلّونا نحس إنه في مكان لهالحب يكبر ويعيش بس لو الشخص يقدّر. بس العلاقة مش كلها أوقات حلوة، فشو بنعمل بالأوقات البشعة؟ شو بنعمل بالأذى؟ وهل هالعلاقة اللي فيها طرف واحد بيعطي وطرف واحد مطلوب منه يقدّر، ممكن تستمر؟ وهالشي بيرجعنا للسؤال نفسه: هل بنطلب بالعلاقات الحب بكل مكوّناته؟ أو فقط التقدير؟

"وصلت.. الدكتورة النفسانية اللي نمشيلها قالتلي: الشخص هذا مضر في حياتك، ما عدش تكلمو ولو كان مش ترجع تكلمو العلاج النفسي اللي انت تقوم بيه هو معناها ما عندو حتى لازمة وما بوش بي شي يجيب نتيجة."

طبيبة صفاء النفسية نصحتها بإنها عشان تقدر تتعافى لازم تطّلع هالصبيّة هاي من حياتها، ونفس الشي صديقاتها المقرّبات واللي كانوا شايفين قدّيش هالعلاقة مؤذية لإلها، وحتى أهلها وكمان أهل حبيبتها اللي مش فاهمين طبيعة العلاقة، كانوا حاسّين إنه في شيء غلط وإنه صفاء عم تتساهل كتير بتعاملها مع "هالصديقة".

وعلى أهمية النصائح والدعم، لكن الشخص الوحيد القادر إنّه ياخد خطوات لفك الارتباك والإجابة على التساؤلات فعلًا هو صفاء. بس كيف؟

هل بتكمّل بطريق المراوغة والانتظار والتعلّق لحد ما تنجح في إقناع حبيبتها بقيمة هاد الحب؟ أو توصل للحظة يأس أو لحظة انفجار؟ أم هل هي محتاجة لهدنة؟ لمساحة تفهم فيها شو بدها بالضبط من العلاقة، حتى وإن كان الاستمرار في الوضع كما هو عليه، بس يكون عالأقل قرارها ومش مفروض عليها؟

بس الهدنة إجت لعند صفاء بشكل تاني. بعد شهور طويلة من التلويع، وقبل ما ألتقيها وأسمع قّصتها بأسبوع، حبيبتها طلبت تشوفها، وصفاء طبعًا راحت تشوفها ولقتها في حالة سيئة: 

" جتها موجة تاع بكا يعني تفجرت بالبكا وكسإلتها إيش بيك قالتلي.. قلتلها تعاركتي إنتي وياه. قالتلي لا. قلتلها معناها سبك قالك شتمك؟ قالك كلام خايب، قالتلي ما أتعس. قلتلها شنو اللي صار ما أتعس، قالتلي يحب يخطبني! قلتلها انت عليش تبكي؟ مش هذا اللي كنت تحبي عليه، قالتلي لا مش هذا اللي نحب عليه ونحس روحي وانت شنو عملت فيك ومنيش مستعدة" 

صاحب الحبيبة عرض عليها الخطبة، والحبيبة ارتبكت. مش متأكدة إذا بدها إياه، ومش متأكدة شو الوضع مع صفاء.

صفاء اقترحت على حبيبتها إنهم يقطعوا العلاقة لو هي بتشوفها عائق في طريق مستقبلها، وحبيبتها قالت لأ، ما بدها إياها تطلع من حياتها.  

بس بعد أقل من أسبوع، تواصلت الحبيبة مع صفاء وقالتلها بدي تطلعي من حياتي. 

”من كام سنة لما، دار الهوى بيننا، فاكرة إحنا قولنا إيه، مش دي راحة قلبي ولا أمل حبي اللي اتفقنا عليه" (ياسمين حمدان) 

صفاء مرتبكة، رغم كل شيء لسه في عندها أمل حبيبتها ترجع في حياتها. وحبيبتها كمان مرتبكة، مش عارفة شو تعمل وشو تختار بالضبط، بس مورّطة صفاء معها بكل خطوة. 

بس بالحقيقة، وعلى طول علاقتهم، صفاء وحبيبتها ما اتفقوا على شيء واضح.

هاد الترنّح والارتباك يمكن بنشوفه بعلاقات بنعيشها أو بنسمع عنها، شخصين بيقضّوا وقت مشترك بدون تعريفات وبدون توقعات كبيرة وبدون التزام، وببعض الأحيان بينجحوا بالفعل يصنعوا مساحة حرة بيناتهم، بس بكتير أوقات التوقعات بتزيد والتعلّق بيزيد، وفي طرف بينتبه وبيخاف يحكي، وفي طرف بينتبه وبتطنّش تحكي، ولو ما في تواصل مفتوح وإعادة تصوّر للرابط اللي بيحكم العلاقة، الأشخاص بيلاقوا حالهم فجأة مش على نفس الصفحة، وأحيانًا مش بنفس الكتاب أصلًا.

لكن في حالة صفاء وحبيبتها في ارتباك تاني. ارتباك قاعد بالزاوية، أو يمكن قد فيل كبير معبّي المساحة اللي بيناتهم، لكن بالحالتين، هالارتباك موجود وتارك ظلاله عالعلاقة. 

"أنا نعتبره حب وأكثر من حب معناها الأحاسيس اللي حسيتهم ونحس فيهم"

"الأمر راهو أكبر برشا من اني علاقة جسدية ولا علاقة حب وانتهت راهي اهو الشخص هذا اخذيتو كبكج كامل. هذاك اللي عمق في الألم والوجاع تاع ردة فعلها هي والفراق اللي صار ما بيناتنا."

"يا بنت، حكيِك خطير خلّي سرّك بالبير بلاش حدا يسمعنا بتعرفيش شو ممكن يصير بطّل واضح كتير مين ضدنا ومين معنا" (هيا زعاترة)

قبل لقائهم، كانت علاقات صفاء وحبيبتها العاطفية بتحدث مع رجال، وكان عندهن تصوّرات نمطية عن حياتهن. الصبيتين بنات بيئتهم المحافظة، وأهلهم اللي ماليين حياتهن توقّعات بالارتباط والزواج والخلفة، وهاي التوقعات كمان جاي منهن عحالهن.

وفجأة، فجأة انخلقت بينهم هاي العلاقة. علاقة عاصفة، مليانة حب، مليانة تعلّق وتلويع، بس بنفس الوقت عم بتهز تاريخهن الشخصي، وعم تسائِل هويّتهن اللي كانوا مفكّرين إنهم متأكدات منها أو يمكن عايشات معها بلا تفكير. علاقة مش بس بتسائِل تصوّراتهن عن نفسهن وبس كمان عن مستقبلهن.

"اللي خلي العلاقة ما بيناتنا مش كأي علاقة اثنيين بنات حبو بعض ولا اثنين أولاد حبو بعض، اللي أنا في تفكيري على المدى المحدود القلب بتاعي يقول أنا مستعدة إنو نقعد في علاقة معاها رغم كل شيء، خاطر الإحساس اللي نحسو معاها ما يضاهيش إني أنا باش نرضي المجتمع، أما على المدى البعيد يمكن نخاف، ما نعرفش شو ممكن يصير، مع ضغوطات المجتمع الكئيب التعيس اللي نعيشو فيه مع رغبة أمي الملحّة أن تشوفني أنا معرّسة، متزوجة وعندي صغار، يعني يمكن ما نعرفش... يمكن يمكن زادا أنا نحب طفل". 

صفاء ما عندها خريطة للطريق. عندها مشاعر قوية. بتعرف إنها سعيدة وبتعرف إنه بالوقت الحالي بدها هاي العلاقة. بس التفكير في أي وقت أبعد من هاللحظة مربك. بدها تعيش السعادة وبنفس الوقت بدها تعيش بسلام في مجتمعها. بدها يكون عندها الخيار إنها تكمّل بهالعلاقة وبهاد النوع من الحب، أو إنها بيوم ما يمكن تحب شخص آخر، يمكن ترجع تحب شاب، أو طفل مثل ما قالتها بالتونسي.

الموضوع مش مربك إلها وحدها، حبيبتها كمان عندها ارتباك وتخوّف مشابه.

"في مرة من المرات ونحكي بالمسجات أنا نعتبر اللي الأمر غير طبيعي، نعتبرها خارقة الأحاسيس اللي تحسهم هيا تجاهي، قالتلي الشيء الفعل اللي أنا كان نبعد عليك نولي كئيبة"

"قالتلي المجتمع كيفاش؟ وين بشنو نوصلو يعني مع بعضنا؟ قالتلي في الآخر أنا نحب نكون عايلة ونجيب صغار كيمن الناس الكل. هاذي هي العوائق معناها اللي ما تخليش علاقتنا يمكن تتواصلو ولا تخلاها مستحيلة يعني."

"حاسّه حالي بتحرّك لحالي بزحمة سير، عم تخنق خيالي اقنعة بتنطبع وبتمشي بالشارع اسهم بتأشّر بس طريقي بالجهه التانية" (أغنية هيا زعاترة)

صفاء وحبيبتها وإحنا عايشين في مجتمع مش كتير بيمنحنا خيارات في الحب وفي مين بنقدر نحب ومع مين بنقدر نخلق حياة مشتركة. 

ولما واحدة تختبر تجربة حب مع امرأة أخرى، بتلاقي حالها بإطار مش كتير مفهوم، أو ممكن بتلاقي حالها بمساحة حركة ضيقة ووحدة أفكار، لإنه الخيارات الأوضح دائمًا بتطغى: إما تخلّي علاقتها علاقة سريّة وبسيطة على هامش حياتها كامرأة مغايرة إلى أن يظهر رجل ما يكفّيها وتتزوّجه وتخلّف منه، أو تخرج للعلن بالعلاقة وتواجه احتمال تصنيفها كامرأة مثلية ومهتمة فقط بعلاقات مع نساء، حتى لو ما كانت لسه جاهزة أو ما بدها تحط حالها بهالتصنيف.

وصفاء لا لاقية حالها هون ولا هناك باللحظة من حياتها، ما بتعرّف نفسها كمثلية، بتنجذب لرجال أحيانًا، وبتحب امرأة حاليًا، وبتستبعد إنها تخوض تجربة مماثلة لإنها ما بتحس بانجذاب لنساء أخريات.

سألت صفاء ليش هالقد لسه متمسّكة بالعلاقة، وشو كان تخيّلها لاحتمالية الاستمرار:

"أنا في رواية من الروايات قريت شخص مرأة سوية وعندها حياتها وعايلتها وكله واعجبت بجارتها وعاشت معاها قصة، قلتلها مارايش نكون نجم نحنا علاقتنا هاكه وتعلقنا ببعضنا، نجم بعضنا عشر سنيين نكون أنا وياك يعني انت معرسة وانا معرسة وبصغارنا ونلتقي وبين اللقاء والواحد راحتنا مع بعضنا"

بالنسبة لصفاء، لو كانت هي وحبيبتها ببلد أجنبي ما كان حيكون عندها مشكلة تكون العلاقة علنية. لكن، مطرح ما هي عايشة حاليًا، ومطرح ما أفكارها موجودة كمان، بتشوف إنه المتاح والمناسب هو إنه علاقتهم كانت تضل بالعتمة، بالسر، وإنه حتى لو وصل الأمر وحبّوا يرتبطوا، أو اضطروا يرتبطوا بأشخاص آخرين عشان يرضوا المجتمع ويخلّفوا الأولاد اللي نفسهم يخلّفوهم، باستطاعتهم يواصلوا علاقتهم بالسر مثل الرواية

صفاء مش معنية إنها تعرّف هوية جديدة لنفسها. مش هاد هو الشيء اللي بيشغلها. الشيء اللي بيشغلها هو الحب. هو إنها انغرمت بشخص وهاد الشخص مش رجل زي كل المرّات السابقة، هاي المرّة انغرمت بامرأة، وهاي الإمرأة عم بتلوّعها وعم تحطّها على جنب، على الهامش. وهي كل اللي بدها إياه هو إنها تنبسط بهاد الحب. تنبسط بهاد الحب سواء بالضو أو بالعتمة، بس المهم بالأول إنه حبيبتها تكون فعلًا بدها تعيشه معها أو مستعدّة تعيشه معها. وهالشي لحد هاللحظة مش واضح هالقد، مش محكي عنه هالقد، ومش مبين منه شي.

هاي كانت الحلقة الرابعة من الموسم الرابع من بودكاست "عيب" من إنتاج صوت.

القصّة ما وصلت لنقطة نهاية أو تجاوز أو استنتاجات وتأملات عن بُعد، لإنه صفاء لسه غايصة فيها، لسه عم تستنى. 

في مجموعة ارتباكات وبس. في مشكلة تواصل، في وحدة أفكار، في مساحة ضيقة، وفي أسئلة مطروحة عن النفس وعن العلاقة، بعضها مخيف جدًا، وصاحبة هاي الأسئلة إما رح تطّنشها، أو تؤجّلها، أو تواجهها وتعافر معها لحد ما تلاقيلها إجابة مريحة، تفاهم سعيد، أو مخرج من التعلّق المربك اللي ما في حدا غيرها رح يطلعها منه.

غيّرنا اسم وصوت الشخصية بهالحلقة حفاظًا على خصوصيتها.

الأغاني اللي طلعت معنا بالحلقة بتلاقوا معلوماتها بالوصف المرفق

أخرج هالحلقة صوتياً تيسير قبّاني، حررتها وأشرفت على إنتاجها صابرين طه، وأنتجتها وقدمتلكم إياها أنا فرح برقاوي.