رهانات ملحميِّة

رهانات ملحميِّة

في الحلقة الثامنة من الموسم الرابع من "عيب"، هل نبالغ في الرهان على الحب في لحظات الثورة؟ ماذا يحصل...

نص الحلقة

 رهانات ملحميّة خاسرة؟

حابين نحكيلكم عن برنامج "جسدي" اللي بتنتجه شبكة Kerning Cultures. رح تسمعوا فيه ضيوف بيشاركوا تجارب وأفكار عن أكتر جوانب حياتهم حميمية، عن جسمهم، وعلاقتهم معاه، ودوره في حياتهم.

 كل خلية بجسمي كانت ترجف، حاسة ان انا عايزة أخرج من جسمي

رح تسمعوا قصص مختلفة بتدور حوالين التعايش مع القالب اللي انولدنا فيه بكل ميزاته وقصوره. بتقدروا تسمعوا جسدي على أي تطبيق بتستخدموه لسماع البودكاست، أو تستخدموا الرابط الموجود في وصف الحلقة اللي عم تسمعوها. 

غيّرنا أسماء الشخصيّات بهالحلقة حفاظًا على خصوصيّتهم

من بين مجموعة كروت أو بطاقات التاروت، واللي بدأت كبطاقات للعب وتطور استخدامها لاحقًا في العِرافة بالمستقبل وتفسير الأحوال، في بطاقة اسمها "عجلة الحظ"، بتحمل رقم 10.

في الزوايا الأربعة للبطاقة، بنشوف ملاك ونسر وثور وأسد، بيمثّلوا أبراج الدلو والعقرب والتور والأسد. وبنص البطاقة بنشوف عجلة ضخمة منقوش عليها علامات سرية. على شمال العجلة في أفعى متجهة لتحت، وفوق العجلة بيقعد أبو الهول بيمثّل المعرفة والحكمة والقوة، وتحت العجلة بيظهر الإله الفرعوني أنوبيس، إله العالم السفلي والموت، عم بيلفّوا الاتنين مقابل بعض بشكل أبدي.

ولو انسحبت بطاقة عجلة الحظ، بتكون بترمز لتغيير حياتي أساسي بانتظار الشخص اللي بيتلقّى القراءة. دورة حياة جديدة... تغيير قدري ما في عنه رجعة... هزّة قوية.. أو لحظة ثورية في الحياة أو الحب.

ولما هاللحظة الثورية تكون أكبر من الشخص، وأكبر من محيطنا الضيق بس، لما تكون ثورة بحياة الملايين؛ نفس قوي وجديد أو أمل معبّي القلوب والعقول بحيوات أفضل ومصائر أكثر عدالة وخير، كيف ممكن تؤثر هيك أوقات ملحميّة على تفاهماتنا وموقعتنا بالعلاقات؟ وقديش بتؤثر على رهاناتنا في الحب؟ وكيف ممكن الظروف السياسية في البلد تدفعنا لإنه نتعرف على جانب جديد من الحبيبة أو الحبيب؟ 

كيف ممكن ننحط بمواجهة اختيارات عاطفية حاسمة؟ أو نتورط باختيارات تبدو ثورية وحرّة من عالسطح؟ هل فينا نقرأ كرت عجلة الحظ في قصص حبّنا اللي بتخلق بهيك لحظات بدون الإفراط في الحذر أو الرومانسية؟

اليوم، رح نسمع قصتين عن رهانات الحب في اللحظات الملحميّة. شابة مصريّة، تخلّت عن عالمها القديم، ولقت بلحظة الثورة فرصة لدخول عالم جديد أقرب لإلها، وكل ظنها إنها رح تلاقي الحب المنشود في كنفها. وشاب سوري، اختبر قصّة حب انتعشت على قد الأدرينالين اللي بثّته فيهم الثورة، واستُنزفت على قد ما هلكته كمان هاي الثورة.

معكم فرح برقاوي، وهاي الحلقة الثامنة من الموسم الرابع من بودكاست عيب.

"كان في حالة وقتها يعني انفعال عاطفي تجاه كل الأشياء، فابتدت من هنا المشاكل وابتدينا نقرّر إنه إحنا خلاص ننفصل وإني أنا مش قادرة أكمل في الحياة دي. وهو بالنسبة له الثورة هي اللي دمرت حياته وإنه هو كان حيعيش في مستوى أحسن وإن بناته كانوا هيعيشوا مستقبل أحسن مع أهلهم وإن حياتنا كنت رح تبقى وردية وجميلة لولا إن الثورة جات وخطفتني منه، على حد قوله يعني".

بأواخر سنة 2010، نهى كانت بمنتصف عشريناتها ومستغرقة بحياتها الشخصية. كانت وقتها متزوجة، وعندها بنتين، وبتشتغل بوظيفة ثابتة ومستقرة.

"أنا أول ما تخرجت من الجامعة تجوزت جوازة تقليدية طبيعية جدًا زي اللي أهلي كانوا متجوزينها، بنسميها في مصر يعني زواج صالونات، يعني شخص كويس ما كانش عندي أي مشاعر تجاهه، بس من أسرة كويسة وعنده إمكانيات مادية كويسة"

كانت الحياة الطبيعية بالنسبة لنهى هي إنها تكون متل كل بنات العيلة؛ تضمن عريس محترم، قادر يجيبلها شَبكة وبيت كويسين، ويعيشوا بظروف يصنعوا فيها أسرة.

"انخرطت بقى في الحياة الطبيعية الي هو أخلف أول بيبي، أو أخلف أول طفلة ليا، اللي هيّ بنتي الكبيرة، وبعدين أخلف.. إذا جبت أول طفل بعدين لازم تجيبيله أخ أو أخت، وأخلف الطفل التاني، وبعدين إحنا عايشين في بيت بس ابتدينا نشوف وندفع أقساط البيت الأكبر، الفيلا..." 

"دخلنا في ترتيباتنا لحياتنا، لمستقبل أحلى لأولادنا، وحياة تقليدية تمامًا، بنسافر مرّة في السنة برا، وبنسافر نصيّف مع أهلنا، بنروح يوم الجمعة النادي، وبنروح يوم السبت عند مامتي وهكذا"

وضلّت هالحياة الطبيعية متل ما بتوصفها لنهى مكمّلة، 

لحد يناير 2011، لمّا قامت الثورة المصرية! 

في اللحظة دي اكتشفت إني أنا عايزة أشارك وإن أنا حابة أكون جزء من اللي بيحصل، واكتشفت بقى الجانب الآخر لجوزي اللي أنا عمرنا ما اضطرينا نكتشفه قبل كدا، إن هو شايف إنه أي حاجة حتأثر على الوضع الاقتصادي هو مش عايزها، وإن أنا مش عايزك تنزلي مع ناس بالنسبة له يعني رعاع، دول ناس في الشارع"

وإحنا جوّا علاقات طويلة ومستقرة نسبيًا، كتير مننا بيفكروا إننا خلص عارفين كل شي عن الشخص اللي معنا. عارفين زوقه، ومتقبلين جوانب من شخصيته، ومحافظين على مساحة الاختلاف معه بالقدر اللي قادرين نستحمله. لحد ما تسحبلنا الحياة كرت عجلة الحظ، مثل ما صار مع الثورة المصرية وبعلاقة نهى.

اكتشافها للجانب الحذر وغير المنخرط سياسيًا جوّا زوجها كان شي كبير، بس الشي الأكبر كمان، كان إنه الثورة رجّعتلها جانب ثوري داخلها، كانت خبّته ودفنته مع روتين الحياة النمطية اللي كانت عايشتها...

"طول الوقت كان في الحاجات دي موجودة بس مكنتش عارفة هي رايحة فين ولا بتعمل إيه. طول الوقت في المدرسة كنت بتزعم أي حركة معارضة لأي تصرف مش عاجبني. يمكن وقت مظاهرات فلسطين ده ظهر شوية، وابتدا إنه في شوية حركة فأنا شاركت فيها مع إن صحابي كانوا شايفين إنه إيه العبط ده إحنا ملناش دعوة، بس أنا وقتها قررت إن أنا أشارك فيها وكنت طفلة وكنت بطلع مع أطفال ماشية من المدرسة وبنكتب بالسبراي عالحيطة في المدرسة وفي الفصل بنكتب وبنرسم، فيمكن كان في بذرة بس ما كانتش ظاهرة بس هي لقت نفسها في 2011"

أدين بدين الجدعنة وبدين رفاق الدرب 

وبقولة إحنا مش إنا في المعمعة والضرب

لما بنفيق من سبات عميق على جزء متمرّد كامن فينا، بنبطّل قادرين نتجاهله.

هيك صار مع نهى. انقسمت حياتها نصّين، بالأول بتعيش تمثيلية الحياة الزوجية والوظيفية اليومية، وبالنص التاني بتحاول تحقّق رغبتها بالمشاركة في الثورة بأي شكل ممكن.

"في لحظة الثورة يعني ابتديت أتفاعل يعني، لما قررت لا أنا محتاجة أنزل أبقى في الشارع مش بس على الsocial media كنت بنزل بالأول لوحدي، كنت بقول بس لصديقة مش مهتمة خالص بس إن أنا رايحة دلوقتي للمكان الفلاني لأماني. كنت بروح بعد الشغل وبقول إن أنا اتأخرت في الشغل، وأروح قبل الشغل وأتاخر على الشغل، مكنتش أعرف أي حد كنت بروح بطولي تمامًا"

كانت نهى تشارك بفعاليات الثورة لوحدها تمامًا لمدة سنتين كاملين، لحد ما تعرّفت على مجموعة أصدقاء بيشاركوها اهتماماتها خلال فترة الذكرى الثانية للثورة، وقرّرت بهالوقت تخبّر زوجها عن إنها بتنزل عالمظاهرات.

" كنت بنزل من وراه لحد ما في 2013 قلتله إن أنا بشارك وإن أنا بنزل وأنا عندي أصدقاء، وهو ابتدا إنه هو يبقى رافض دا تمامًا ومش موافق عليه، وشايف إنه بيشكّل خطورة على أولاده، وإن أنا بني آدمة غير مسؤولة، وإنه ما ينفعش أنجرف لحاجة زي دي"

أدين بدين الجدعنة وبدين رفاق الدرب

وبهيك لحظات بنستجمع فيها شجاعتنا لنحكي حقيقتنا ونعبر عن رغباتنا بحريّة، بنلاقي عنا القدرة نقوم بخطوات مهمة كنا مترددين تجاهها أو نحكي عن أشياء كنا مخبيينها بشكل ممنهج مع إنها جزء مننا

"الثورة كانت غيرت حاجة في الشكل الاجتماعي في مصر، فخلتني مثلا كنت محجبة وكنت نفسي أقلع الحجاب بقالي كتير بس كنت ببقى خايفة دايمًا، من الـ... مش قادرة أواجه أهلي ولا أهله ولا المجتمع ولا قادرة أقوله، في اللحظة دي قررت إن أنا هأخلع الحجاب وإنه هو دا اللي عايزة أعمله وإنه معنديش مشكلة بردة فعل أي حد. كنت بدخن بس كنت بدخن من وراه، وكنت بدخن من ورا أهله وأهلي. في اللحظة دي برضه واجهته إن أنا بدخن، وأنا حدخّن قدام كل الناس ودي اختياراتي في الحياة وأنا حدافع عنها، والناس أصدقائي دول حتى لو هم مش نفس مستوانا الاجتماعي زي ما أنت شايف فأنا هدافع عن وجودهم في حياتي"

ومتل ما بتقول نهى بأول الحلقة، كان في انفعال عاطفي مرافق للثورة بهداك الوقت، ما ترك أي مجال للاستمرار بهاي العلاقة، من جهة كانت هي عم تكتشف حالها بنفس ثوري جديد، ومن جهة كان زوجها غير مكترث باللي عم بيصير، بل حتى كان مستاء منه، بس كمان من جهة ثالثة ومهمة، كان في شباب جداد عم تتعرّف عليهم نهى، وموجودين بعقلهم وقلبهم جوا الثورة.

" أهم الحاجات اللي دفعتني أفكر أكثر في الطلاق إنه كنت بشوف نماذج لرجالة بقى من أصدقائي أو اللي تعرفت عليهم في الشارع بقى، بالنسبة لي ناس مبهرة أوي يعني أقوية ومناضلين ومش خايفين وبينزلوا. بنبقى جنب بعض في المظاهرة وبنواجه الخطر سوا وبنجري سوا. وكنت بحس إنه الله على الحياة دي لو بقيت أنا مع واحد بننزل سوا وعندنا نفس الاهتمامات. وكانت بالنسبة لي لحظة أنا بسميها الأورجازم الثوري، إن كان في كده لحظة من النشوة والسعادة والانتصار مخلياني إن أنا عايزة حد أشاركه الانتصار ده، أنا محتاجة حد عايزة أشاركه أهم حدث بيحدث بحياتي اللي هو الثورة"

"هلق أنا تذكرت شغلة، إنه الثورة خلتني أنفصل عن حب وأدخل بعدين بحب تاني، شوفي!! أنا كنت نسيان، مش نسيان بس ما كانت على بالي.."

بالوقت ال لي كانت فيه نهى بتفكّر بالطلاق، كان مازن عم بيشوف وين رح ينتهي الحال بعد ما ترك بلده سوريا هربًا من الملاحقة الأمنية. 

هو حاليًا عايش بألمانيا، ولما سألته عن قصّة حب بحياته مرتبطة بالثورة، مازن تذكر بس قصّة حبّه اللي انولدت بقلب الثورة السورية. لوهلة، كان نسي كيف موجة الثورات إجت وحسمت تمامًا موقفه من علاقة أقدم. أو يمكن ما نسي، يمكن مخّه بيحاول يمسح هاد الجزء من التاريخ بشكل لا إرادي.

"كان عندي حبيبة وكنا خاطبين، وصلنا لمرحلة الخطبة، ف هادا فيه قرار زواج وخلص بعد علاقة 4 سنوات."

"يعني أكتر من حبيبة،  فـ... بدأت الثورة بتونس، وأنا كنت اشتغل مع مشروع تونسي، مشروع كمان مشروع مدني يعتبروا معارضين تونسيين، فكنت اشتغل معهم أونلاين. فتحولت لشخص كتير مندمج بالثورة التونسية لدرجة إنه 24 ساعة عم غطي نيوز، صفحات أخبار"

مازن كان بيشتغل بالمجال الإعلامي والتقني، ومهتم بهاد النوع من الحراك المدني وين ما كان، وبالطبع بهديك الفترة كان شغله مكثّف كتير وتحت ضغط عالي وتوتر كبير.

المهم بلحظة سقوط بن علي، بتتذكري لقطة هادا الفيديو اللي كان في حدا عم يصرخ "بن علي هرب"؟ ف أنا بكيت، يعني بدأت أبكي وما قدرت إمسك حالي. فأول شغلة بتساويها بتتصلي بالشخص اللي بتحبيه، ف اتصلت بحبيبتي وعم ببكي، ف قالتلي "شو بك؟" قلتلها بن علي هرب، فهي قالتلي "إيه، وإذا؟ نحنا شو بيهمنا؟"، يعني صدمتني بطريقة إنه طز، يعني إنه ليش عم تبكي؟ فقلتلها إنه في شعب انتصر، في ثورة، "قال إيه، وإذا يعني؟ نحنا شو دخلنا؟"

أوقات لما حدا بيكون بعلاقة فيها التزام طويل، وتحديدًا لو في مشروع زواج مقبل، بيصير الشخص يحاول يرقّع المشاكل أو يجرب يتجاوزها عشان الاستثمار اللي عمله أو عملته بالعلاقة. لكن إلا ما بتيجي لحظة شارقة مثل الشمس، بتقوللنا بكل وضوح، هاي العلاقة ما بينفع تكمّل. 

بعد أربع سنوات من علاقة استثمر فيها كتير، كانت هاي اللحظة هي اللحظة بالنسبة لمازن، على التليفون، وبسبب الثورة التونسية، حدث كان يبدو للبعض بعيد عن سوريا بهداك اليوم.

"ف هون كان صدمة، وأنا وقتها عرفت، كان في مشاكل سابقة، فأنا عرفت إنه هاي الشخص أبدًا مانا مناسبة بالنسبة إلي لأنه رح نختلف كتير. طبعًا بدأت الثورة بسوريا ووضح تمامًا، هي راحت باتجاه النظام وأنا رحت باتجاه المعارضة"

"أنا أحرار ما يخافوش، أنا صوت اللي ما رضخوش، أنا حر وكلمتي حرة"

اندلاع الثورة بسوريا كمّل كشف المستور بالنسبة لمازن، بس يمكن اللي خفّف صدمته كان إنه كان عم يحسم موضوع العلاقة يا دوب والثورة بسوريا عم تبدأ...

"كنا عم ننفصل.. بس ضلينا نحكي مع بعض. أنا ضليت اتصل فيها واتطمن عليها لأنه صار بمنطقتها بحمص هي في أعمال عنف وهيك، فأنا بشكل يومي اتصل واتطمن عليها، بس هي بالآخر عرفت إني أنا لسه معارض وعملتلي بلوك، طبعًا بعد سجن مرتين وخلص، حذفتني من حياتها"

بهاي اللحظة الصدمة راحت وإجا بدالها شعور بالراحة، أو الإحساس بشكل أو بآخر بالنجاة من علاقة كانت رح تتحول لكابوس...

"فرح: انصدمت؟

مازن: بصراحة، مش انصدمت، كنت سعيد إنه صار هادا الموقف لإنه حلو تتعرفي عالإنسان قبل ما تكوني معه، قبل ما ترتبطي بشكل دائم، فهي الثورة عرفتني قديش هادا الشخص اللي معي هو ما بيشبهني، انه اوك في امور بتشبهني فيها بس.... خاصة انا قبل ما تبدأ الثورات، الربيع العربي، هديتها كتاب كتير حساس، كتاب اسمه نيجاتيف لكاتبة سورية عن شهادات الأسيرات أو المعتقلات بالسجون السورية، فالكتاب كتير قاسي..."

"طبعًا هادا الكتاب إذا بينمسك بسوريا ممكن أدخل عالسجن بسببه، ولاقيتها اهتمت فيه فاتأكدت إنه هي أوك بتشبهني، عندها نفس الفكر تبعي. بس لما بدأ الربيع العربي وبدأت الثورات أبدًا"

بعد نهاية علاقته، انشغل مازن بنشاطه ضمن الثورة السورية، وما عاد يفكّر بالحب ولا بالعلاقات ولا حتى بصحته وجوانب حياته الأخرى. ما كان فاضي إلا للثورة.

ونتيجة نشاطه الإعلامي وتصويره للي كان عم بيصير عالأرض، اعتُقل مازن مرتين، وكان رح يُعتقل لمرة ثالثة، لكنه لحق حاله وهرب. 

"المرة الثالثة هربت انطلبت بسبب كمان اعتقال صحفي بريطاني بسوريا وما كان عامل اي تأمين للداتا اللي عنده، مع انه هو وعدني انه لأ، 100% آمن، وهربت."

"بلحظة اللي انمسك الصحفي، إجاني تليفون " انمسك شون مع شاب تاني بمظاهرة، واختفي، يعني حاول اختفي"

بالأول تخبّى مازن ببيت صديق إله، وبعدين فكّر إنه يمكن ضروري يطلع من سوريا لحد ما تبين الأمور بوضوح. سأل من خلال معارف لو اسمه موجود عالمطار، ولمّا لقى إنه ما في أمر باعتقاله بالمطار، حمل حاله خلال 4 ل 5 ساعات وترك البلد.

يمّا راجع أنا، بعيونك غطيني

قديش شفت عذاب وتعب سنين

"طلعت عالاسكندرية. طبعًا كنت خايف، رغم إنه تأكدنا إنه اسمي مانو موجود عالحدود بس كنت كتير مرعوب وما خبرت أهلي لحتى صرت بآخر شي، يعني ع باب الطيارة اتصلت بوالدتي، قلتلها أنا مسافر على مصر عندي شغل. طبعًا والدتي حست إنه فجأة مسافر، بيطلع عندي شغلي، برجع أسبوع او اسبوعين ما بعرف. واتصلت بأختي كمان اللي، ودعتها، وتفاجأت انه اختي كانت ولدانة قبل بنص ساعة قالتلي إنه ولدت، فأنا كمان ما شفت ابنها، لهلق ما شفته"

مازن سافر بشكل خاطف وكل فكره إنه رح يعرف يرجع قريبًا

"كانت الفكرة انه ضل هونيك 15 يوم لشوف شو رح يصير وارجع على سوريا، وهلق مرق من 2011 لهلق، وخلص ههههههه"

عمري مرّ ولا، كان يعذب فيا

يمّا مويل الهوى، يما مويليا، يمّا مويل الهوى، يما مويليا

ضرب الخناجر ولا حكم النذل فيّا

رح أرجع على القاهرة لعند نهى، اللي كانت عم بتمشي بموضوع الطلاق بحسم وبنفس الوقت عم تتعرّف على شخص جديد داخل دوائر العالم الجديد اللي دخلته وانشدّتله أثناء الثورة

"هو كان في قلب الثورة جدًا وكنت منبهرة به جدًا وكنت شايفاه مناضل وشايفاه حاجة محصلتش، دا زق أكثر في قرار الطلاق، وإني أبقى حاسمة أكثر وإني مفكرش بالخسائر المادية اللي هتعرّضلها ولا الخسائر الاجتماعية ولا مواجهة أهلي ولا إن دا هينعكس قد إيه على أولادي"

"هو كان الوقت دا بيقويني وكان طول الوقت بيكلمني عن فكرة الاختيار، وازاي يبقى اختياري حر، وإزاي إن الحياة مستنيانا لنجاحات ونضالات وانو إحنا نغير العالم، تزوجته بعد… بالزبط بعد 3 شهور ونص من طلاقي الأولاني"

بيني وبينك حرف جر عاكس مدارات الرحايا

بيني وبينك مسألة تؤول إلى ما لا نهاية

تزوّجت نهى حبيبها الجديد عالضيق وبوسط ظروف مادية صعبة جدًا، تحديدًا لإنه أهلها رفضوا الزواج بالأول:

في الأول كانوا رافضين تمامًا، وكانوا شايفين إنه إيه اللي انت بتعملي دا؟ وانت بتضيعي نفسك وبتضيعي أولادك وهو بالنسبة لهم حد ما بيشتغلش شغلانة اجتماعية مثلا هم قابلينها أو مستواه المادي مش زي ما هم كانو متصورين أو زي حتى جوزي الأولاني. بس كمان لإن عندي أولاد ولإن في مصر في ضغوطات لها علاقات بالأولاد والحياة الاجتماعية فكان لازم أتزوج علشان أولادي يفضلو معايا، علشان لو حصل لا قدر الله أي شيء لو أنا مش متزوجة ممكن أولادي يتاخدو مني، وممكن أتهم اتهامات أخلاقية يعني صعبة وأتعرض لمواقف صعبة فدا ضغط علي في إني أتزوج بسرعة"

وهيك، ما بين حماسة الحب الجديد ويوميات الثورة من جهة والضغط الاجتماعي من جهة، علاقة نهى بالشخص الجديد أخدت القطار السريع، بدون تفكير كثير، والأهل كمان قبلوا بالعلاقة بعد فترة من الضغط...

"كان في حالة إن إحنا بنروح المظاهرات سوا، بنروح النشاطات كلها اللي ليها علاقة بالأشياء الثورية سوا، المناسبات، كل حاجة مع بعض وبعدين حملت في ابني وكنا برضو بنفس الحالة اللي فيها النشوة الثورية دي"

 وبحر ناس ومدوّنات، وماضي كتفني بظروفه، بيني وبينك بكرة جاي ولسه مش عارف أشوفه

غاصت نهى بعالمها الجديد، ثورة وحب وحمل.

أما قصّة مازن مع الترحال أو التهجير كانت لسه بأولّها. وللصدفة كمان، بدأت معها قصّة حب رحّالة.

"2012 كنت بمصر، وتعرفت ع حبيبتي الجديدة، عن طريق صديقة طبعًا، اتصلت فيني قالتلي في حدا بده يجي ع مصر، عندك مكان تنام أسبوع؟ عندا شغل بمصر، فقلتلها أوك أنا عندي بيت وفينا تيجي تقعد. وتعرفت عليها لهاي الصبية، وبعدين اشتغلت معنا بنفس المشروع اللي أنا كنت أشتغل فيه"

التعارف صار أثناء زيارة سريعة، بس بعد ما رجعت الصبية على سوريا وصارت تشتغل مع مازن بنفس المشروع، وشوي شوي بدأت تصير بيناتهم علاقة عن بعد...

"كل يوم بنشتغل مع بعض، بأمّن عليها إنه أوك الأمور تمام ما في مشاكل، فهدا خلانا نقرب كتير ونهتم كتير خاصة بلحظات اللي بيكون فيه حرب، في قصف، فيه تفجيرات. فدغري بفكر فيها وبتصل فيها، دائمًا هي بتطلب نصيحتي ببعض الأمور، خاصة أنا كتير داخل بالسياسة، هي كانت جديدة عليها الحراك السياسي. فكتير الحراك الثوري خلانا نقرب عبعض، خلانا بشكل يومي نحنا مع بعض، نحكي كل يوم، بغض النظر إذا علاقتنا نحنا عم نحكي لأنه بنحب بعض ولا عم نحكي لأنه بنشتغل مع بعض."

يا نجمة الشام وين وين وين وين عليتي

وبمرّة كان مازن نازل على بيروت بشغل، وضيّع أوراقه الرسمية، وبطّل قادر يتحرّك من مكانه لمدة 8 شهور...

"فبهاي الفترة كان عنا كتير اجتماعات للشغل، فتيجي من الشام ... على بيروت، وبدأت علاقة الحب بيناتنا وخلص ارتبطنا بشكل.. يعني صرنا خلص مع بعض ككبل"

وانتعشت العلاقة بهاي الشهور التمانية لحد ما لقي مازن حل إنه يطلع من لبنان على ألمانيا

"فودعتها طبعًا وأنا ما عندي أي فكرة... تنينان   كنا مشوشين إنه إيه شو الخطوة اللي بعدها؟ هي صعب تيجي، ما فينك تاخد فيزا كسوري، ما بيقدروا ياخد فيزا عأوروبا لإنه بيعرفوا إنه السوريين إذا رجعوا ع أوروبا رح يطلبوا لجوء، وما كان في طريقة تهريب، يعني ما كان بدأ موجة اللاجئين اللي إجوا بطرق غير شرعية، فودعنا بعض وقلتلها اتركي الموضوع مفتوح أنا ما بعرف، بصراحة ما رح أوعدك بشي وخلينا نكون شوي واقعيين ونفكر بعدين في الموضوع"

وهيك بلّش ترحال جديد بالحياة وبالحب...

"ضلينا عم نتواصل مع بعض وضلينا بنحب بعض وبنتخانق وبننفصل اونلاين ونرجع نحكي مع بعض، يعني علاقة متوترة ع السكايب، علاقة كتير صعبة..هي مش عارفة حالها شو رح تسوي وانا مش عارف حالي شو رح سوي، بعدين أخدت قرار تيجي ع ألمانيا"

القرار كان مفاجأة لمازن، لإنه الطريقة الوحيدة لسفرها هي بشكل غير رسمي، ومكلّفة كتير وطبعًا مليانة مخاطر…

متل ما شفنا بحلقة "حب بعيد وحلو"، العلاقات البعيدة بتحمّل رهان الحفاظ على المشاعر والوئام في ظل تحدّي المسافة وسوءات التفاهم اللي ممكن تخلقها العلاقة الافتراضية عبر وسائل التواصل الحديث. لكن بحالة الحرب والتهجير والشتات، في أحداث وصدمات وظروف ممكن تزيد تقل العلاقة، وتضاعف المسافة.

مازن كان قلقان من هاي الخلافات ومن احتمالية برود المشاعر لو التقى بحبيبته وجهًا لوجه بعد غياب شهور. ولهيك قرّر يحكي معها قبل ما تبدأ رحلتها الشاقة لألمانيا.

"قلتلها بدي احكي معك بموضوع بتمنى تسمعيني، قالتلي أوكيه، قلتلها إنت قررتي تيجي عأوروبا، فكري بالموضوع إنك إنت قررتي تيجي منشان مستقبلك، سوريا هلق وضع خطر ما في مستقبل، ما قررتي تلحقيني لإنه ما بنعرف شو رح يصير، ممكن نستمر وممكن لأ، أنا بتمنى إنه نستمر وأنا كتير رح ساعدك ورح وقف معك بس بليز ما تحمليني هدا الذنب ولا تحمليه إنت لأنه هدا مو منيح إلك"

مازن حكى اللي بقلبه مع إنه هيك شي مش سهل ينقال، ولو انقال كتير أوقات ممكن ينفهم غلط من الطرف التاني...

"سكتت شوي وفكرت فيه، بيجوز اتفاجأت انه انا كنت صريح بهالطريقة اللي مانا رومانسية ابدًا.. وقالتلي لأ انا جاية مشان مستقبلي مو مشانك، ف قلتللا اوك ريحتيني، اذا هيك ف بيكون كتير قرارك حلو، وخلينا نعمله"

وبعد رحلة طويلة وشاقة ومكلّفة، وتهريب وتخفّي ومغامرات وقلق، وصلت الحبيبة على ألمانيا وقدّمت على لجوء، وبلشت حياة جديدة، والعلاقة كمان بلّشت فصل جديد 

"بلشنا نطلع برجل بأوروبا، رحنا إيطاليا شي 4-5 مرات، ع فينيس، هي أخدت كمان إقامة فنية بفلورانس وطلعت أنا عشت معها بفلورانس فترة لإنه مدينة كتير جميلة، ف كان كتير شي وردي، يعني شهر عسل طويل"  

نذر علي إن عادوا حبابي عبيتي لاضوي المشاعل وأحني العتاب

مازن كان عم بيعيش شهر عسل طويل

بس شهر العسل الطويل تبع نهى كان عم يخلص. حالة العنفوان الثوري ما طوّلت، مع مرور الوقت، الأمل بتغييرات حقيقية بدأ ينحسر، والإحساس بالهزيمة كان عم يتفشّى بين الناس شوي شوي. بهاد الوقت كانت نهى جابت ابنها من زوجها الجديد، ومتلها متل الناس عم تعيش الإحباط العام.

"ابتدت في الوقت ده ابتدا الإحباط عندنا كلنا، لحظة انهزام الجيل كله، لحظة انهزام لكل الناس اللي شاركت. اللحظات دي بتطلع أوحش الحاجات اللي في الناس. يعني بتبيّن الناس أوي وبتخليهم ال insecurity  أو المشاكل اللي عند البني آدمين بتظهر أوي"

على عكس لحظات الانتصار، لحظات الهزيمة بتكون متل مراية. بنلاقي حالنا وعلاقاتنا قدامها. الزينة كلها بتوقع، مش بس الزينة اللي الناس بتزيّنها لحالها، بس كمان الزينة اللي إحنا بنحطّها بذهننا عن أقرب الناس إلنا. وبدل الزينة بتظهر التناقضات، وبيظهر النفاق، اللي هو أسوأ بكتير من مجرد مشاكل بالشخصية.

حلاويلا يا حلاويلا، يا خسارة يا حول الله

"ابتديت أكتشف بالوقت إنه كل حاجة كنت منبهرة فيها هي مش حقيقية أو كتير منها مش حقيقي، إنه ممكن يكون شخص بيتكلم عن الأفكار دي بس في حياته مش بيعملها، ممكن يكون مناضل وثوري وبيدافع عن ناس محبوسة ظلم بس هو ذكوري، ممكن يكون بني آدم مؤذي، ممكن يكون بني آدم بيكذب"

الأذى ما كان بس نفسي، تعرّضت نهى لسلسلة من حوادث العنف الجسدي على إيد زوجها المناضل، واتطلقت بعد سنة و3 شهور بالزبط بعد حادثة عنف قوية اضطرت فيها تنزل للشارع عشان كانت خايفة تنقتل...

الثوري النوري الكلمنجي، هلّاب الديب الشفطنجي

"وحتى بعد الطلاق يعني الشخص اللي هو المفروض اللي أنا أصلاً حبيته وانبهرت به وتزوجته عشان هو بدافع عن حقوق الناس بس هو مكنش محافظ على حقي.

"كان بيهيني، كان عنده حب تملك، كان مصمم يدمر حياتي، كان بيلاحقني في كل حته، كان بيأذيني، كان بيتعرضلي، كان بيضغط علي بابني".

نهى قعدت فترة كل ما تفكّر إنها عم تخلص من كابوس العنف، بيطلعلها متل العفريت بوجه جديد، وانتهت قصة هذا الحب الثوري العظيم بمزيج من الخذلان والصدمة والتوجّس والكراهية.

قصّة حب مازن، انتهت كمان. مش بسبب صدمات أو تغيرات كبرى بطريقة التعامل أو الحياة. 

انتهت العلاقة شوي شوي، موت بطيء، بسبب اختلاف الطباع، واختلاف القدرة على التعامل مع الأذى النفسي اللي مازن وحبيبته تعرّضوله خلال الثورة السورية والتهجير اللي لحقها.

"تفاصيل الحياة اليومية بيّن إنه، طباعي مختلفة عن طباعها، حاولنا كتير، وهي كتير تنازلت، وكتير حاولت ترمم العلاقة بيناتنا، أنا شوي كنت بفترة توتر بسبب الفشل اللي عم يصير، الفشل بشكل عام بكل المجتمع الدولي، مو بس بسوريا بل بكل دول العالم، ف… أثر عليي نفسيًا وشوي كانت نفسيتي تعبانة"

زيك أنا مقسوم ما بين الضفتين

وبعد محاولات كتير، واستشارات نفسية مشتركة، توتر مازن ما كان عم بيساعد استمرار العلاقة، وسوءات التفاهم بينه وبين حبيبته صارت تتزايد...  

ومهما كنا بنحب بعض، ومهما كنا بدنا العلاقة تستمر بيناتنا، أوقات ما بنقدر نستعجل التعافي تبعنا وإنه نصير أحسن عشان الشخص الآخر، ومن الجانب التاني ممكن نوصل لحد أقصى في التحمّل والدعم والاستيعاب، لو تجاوزناه بنكون عم نؤذي حالنا إحنا كمان. 

حبيبة مازن حاولت كتير تنقذ العلاقة، بس الحقيقة، ولا يمكن يقدر طرف واحد بالعلاقة إنه ينجّحها لحاله بدون تواجد الشخص التاني بشكل صحّي:

"حرام هي كانت ضحية هدا الشي، يعني هي متحملة هدا الشي وعم تحاول تدعمني وتساعدني بس ما قدرت، وأنا ما قدرت. ف بالآخر اتخذنا قرار إنه خلص ما رح نقدر نكفي لإنه صرلنا 3-4 سنوات مع بعض ودائمًا في مشاكل، كترت آخر شي المشاكل وعأمور تافهة، طبعًا ما في خلافات كبيرة جذرية، ف قررنا إنه تنيناتنا أحسن نبعد ونضل اصدقاء أحسن من إنه نضل مع بعض وعم نؤذي بعض."

أوقات بحس إننا، شمس وقمر، طريقين سفر، ما بيتلاقوش

وبصراحة، بعد سنة من المشاكل شبه اليومية والضغط الشديد، الانفصال كان مريح ومطلوب بالنسبة لمازن ولحبيبته، بالرغم من صعوبته

"بصراحة بعد ما انفصلنا، حسينا إنه عملنا الشي الصح، لهيك نحنا أصدقاء هلق، بصراحة. أكتر من مرة قعدنا حكينا إنه كتير صح اللي سويناه لأنه لو ضلينا مع بعض كنا يمكن تزوجنا وطلقنا وصار في بيناتنا خناقات وسبينا بعض. ويمكن لو عنا ولاد كان الأولاد اتدمروا بسبب هاي المشكلة، فكان القرار صح، هو صعب بنفس الوقت لإنه مازال في بيناتنا حب بس أحسن ما نكون باقيين مع بعض ومش منتبهين إنه عم نأذي بعض. "

مازن وحبيبته انفصلوا من سنة بعد علاقة 6 سنوات، مقسومة بين المسافة والعيش المشترك. اللي مرقوا فيه ما كان سهل، وكان ممكن ينتهي بطريقة كتير بشعة، لكنهم تداركوا الموقف بالوقت الصح، كانوا أصدقاء وفاهمين على بعض منيح، فاهمين حجم الانهاك اللي عاشوه هم الاتنين، وبرغم الانهاك كانوا مدركين إنه ما حدا فيهم سبب أذى للشخص التاني، وإنه عادي، العلاقة فيها تخلص، حتى لو نجت لسنوات عبر الحدود والعمل الثوري والبهدلة والتهجير.

بس الأكيد، لو كنتي أقرب ليا مني، أو ما بيننا سنين فراق

"علاقتنا كانت شي إيجابي للطرفين، تنيناتنا ساعدنا بعض، دعمنا بعض، وتنيناتنا بحاجة بعض كنا بمرحلة من المراحل. مرحلة الثورة، مرحلة الغربة، مرحلة الهجرة أو اللجوء، إنت بحاجة لشخص يوقف جنبك فكان هي جنبي وأنا كنت جنبها، ف كتير تنيناتنا ساعدنا بعض بصراحة، وتحملنا بعض بالأيام السيئة جدًا، وهدا الشي إيجابي، يعني هدا الشي اللي مخليني ما بنسى هاي العلاقة بحياتي، وبتمنى طبعًا ما قادر أتخيل ما رح كون الشخص اللي بيحكي أحلامه بس بتمنى نضل كل حياتنا اصدقاء ونساعد بعض.    ما بعرف شو المستقبل بيخبي لقدام. "

أما بالنسبة نهى، فلمّا بتطلّع هلأ على تجربتها المؤذية والمسيئة، بعد كام سنة من الانفصال، فهي حريصة إنها ما توقع بفخ كراهية الثورة، أو كراهية الرجال المنخرطين بالعمل السياسي

"أي وحدة مكاني كانت ممكن تحكم وتقول إنه الثورة دمرت حياتي أو إنه الرجال الثوريين دول وحشين جدًا بس أنا لغاية دلوقتي متأكدة انو هو كان اختياري للشخص الغلط، لا الثورة هي اللي دمرت حياتي ولا الرجالة الثوريين مؤذيين، مش بفكر بالموضوع كدا خالص، بس بفكر قد إيه كنت أنا ساذجة، قد ايه كان في حاجات واضحة قدامي والحالة خلتني ما أشوفهاش وحماسي للحالة خلاني أنجرف وأنا مش حاسة"

غير إنها انجرفت في لحظة عنفوان ثوري بتفترض أخلاقيات معينة عند الشخص الثوري، نهى كانت في علاقة مع شخص عنيف عنده قدرة عالية على التلاعب العاطفي، وبالتالي كانت بتشك بحالها، وبتشك بإنها مُحقّة، وبتتمرجح ما بين الإحساس بالأذى والإحساس بالذنب، وبتجرّب تمشي من العلاقة وبعدين ترجع، لحد ما قدرت تنفصل تمامًا.

"فطبعًا في كتير ناس حكمت عليا، في ناس كتير قررت متعرفنيش مثلا في أوقات الدايرة دي وهي بتلف، لحد ما قدرت أخرج من العلاقة بشكل كامل"

للأسف، هاد الجانب النفسي من العلاقات المسيئة كتير ناس ما بتتفهمه، سواء رجال أو نساء، ومثل ما لسّه بتنلام الضحية أو الناجية من حوادث التحرّش أو العنف بأغلب المواقف بدل لوم الجاني، في لوم كبير بيتوجه للنساء اللي بيكمّلوا بعلاقات وزواجات مسيئة ومؤذية، وتحديدًا لو كانوا متعلّمات أو مثقفات أو ثوريّات، بيبقى في توقّع منهن إنه طالما اشتكت من شخص، يبقى بكل بساطة رح تضب أغراضها وتترك البيت وتمشي. وهالافتراض بيتجاهل أنه في شي اسمه تلاعب نفسي، وإنه في إرث جمعي بتحمله النساء أيَّا كانت خلفياتهن متعلّق بمسؤوليتهن عن نجاح علاقاتهن والحفاظ على عائلاتهن وإنهم يوقعوا بالنص ما بين زوج مُعنّف، ومجتمع محافظ ومقيّد ولوّام.

"لما بلاقي واحدة من صاحباتي أو من معارفي بتتعرض لده ولما تيجي ترجع، الناس بتبدأ تحكم عليها ويتخانقوا معاها، فأنا بقولهم أنا متأكدة إنه ولا حدا فيكم دخل فعلاقة شبه دي، انتو متعرفوش العلاقات المؤذية عاملة ازاي، ومتعرفوش الخروج من دايرة العلاقات المؤذية صعب قد إيه، هو دايمًا الشخص المعنف بيبقى محسسك بذنب، وبيبقى كاسرك، بتبصي لنفسك بدنو وببقى محسسك إنك معنديش طريق في العالم غيره، وإنك لو طلعتي من الباب دا مش حتلاقي بني آدم تاني ممكن يبصلك"

كتر القسوة واللوم مش شغل حبيبة

بس بالآخر نهى طلعت من هاي العلاقة المسيئة، ولأ، ما كانت امرأة ساذجة عشان حبّت شخص منافق بأخلاقياته، ولولا الوعي والطاقة اللي ضافتهم الثورة إلها، نفس الثورة اللي خلّتها تحبّه، ما كانت رح تعرف تخلص منه بنفس السرعة...

"هو كان رافض تمامًا بس أنا لحسن الحظ إنه في هذه اللحظة الثورية، أنا حطيت شرط في عقد زواجي، استكمالا لهذا المشهد الثوري الجميل، إنه يبقى ليا حق في تطليق نفسي، فأنا طلقت نفسي"

أنا تُهت في حبك وقاسيت .. أنا تُهت في حبك وقاسيت

خلال العمل الثوري والحراكات المدنية والعمل الحقوقي والأهلي، بيكون في توقع عالي من الأشخاص المنخرطين إنهم يكونوا متسقين ذاتيًا مع المبادئ اللي بيدافعوا عنها وبيدعموا الناس اللي بيشتغلوا معهم لتحقيقها. وكتير أوقات بيتغطّى على المتحرّشين أو المُعنّفين داخل هاي السياقات، إما لعدم التصديق إنه ممكن نفس الشخص الحقوقي يكون مُعنّف أو متحرّش، أو لحماية سمعة المؤسسة اللي بيشتغل فيها أو الحزب أو حتى سمعة الثورة. فكرة الحماية هاي نفسها اللي الناس طالعة تثور عليها، حماية أصحاب السلطة، واللي بترجّع المجهود كله لورا بدل ما تخلق خطاب تحرّري متسق وفعلًا بيستحق نصدّق فيه.

وبنفس الوقت، هاد التوقّع باتساق أخلاقيات الحقوقيين بيكون جاي من مكان غير منطقي أحيانًا، فيه تجاهل لخلفيّة هدول الأشخاص خارج اللحظات الثورية والعمل الحقوقي، وقديش فعلًا بيعيشوا هاد التحرّر اللي عم بيطالبوا فيه قدام الناس، بحياتهم اليومية والشخصية. 

وهاي القضية مش جديدة ولا بنت امبارح، هي قضية عاشتها أجيال سابقة وعرفنا عنها بشكل أو بآخر من خلال كتابات أو تاريخ شفهي أو حتى قصص عايشها البعض مننا مع أهلهم اللي كانوا منخرطين في حركات التحرّر السابقة. ورجعت هاي القضية للسطح مع اختبارنا للثورات بجيلنا، 

على الأغلب ما حدا بينولد متحرّر بالكامل، وأكيد كلنا بنتعرض لمواقف ممكن نخل فيها باتساقنا مع مبادئنا. لكن التحرر الحقيقي هو تعلّم يومي وممارسة ومراجعة ذاتية واستعداد لتحمّل مسؤولية الأفعال والأقوال، وعمره ما بيجي بس بلحظة ثورية حالمة من اللاشيء. 

الثورات واللحظات الملحميّة، بتجيب معها رهانات ملحميّة. رهانات على الحرية. على الحقوق. على هزيمة الطغاة. على تفتّح المستقبل. وكمان رهانات ملحميّة على الحب.

يمكن الرهانات اللي حكينا قصصها اليوم كانت رهانات خاسرة بشكل أو بآخر. لكن الثورات اللي عشناها أنتجت رهانات عاطفية ناجحة وقصص حب بقيت رغم لحظات الهزيمة، واللحظات الثورية اللي عم بنعيشها السنة كمان، عم تنخلق معها رهانات سياسية وعاطفية لربما تحمل انتصارات أكثر مما سبق.

هاي كانت الحلقة الثامنة من الموسم الرابع من "عيب" من إنتاج صوت.

غيّرنا أسماء الشخصيّتين حفاظًا على خصوصيتهم.

إذا بتحبوا تعرفوا أكثر عن الأغاني والموسيقى اللي طلعت معنا، بتلاقوا معلوماتها بالوصف المرافق

هاي الحلقة كانت من إعدادي وتقديمي أنا فرح برقاوي، مونتاج تيسير قبّاني، وتحرير صابرين طه.

شارك في إنتاج الموسم الرابع من بودكاست "عيب" كل من آية علي، ومرام النبالي، وجنى قزّاز.

"أنا سر الوردة الحمرا، اللي عشقوا حمرتها سنين، اللي دفنوا ريحتها نهار، وخرجت من ال، تنادي عالأحرار"

"الفكرة تستاهل، الفكرة ليها ناس مخلصين كتير أوي، آه في مدعين، بس مش هم اللي حيخلونا ما نكملش دفاع عن الفكرة دي، خالص، المدعين هيخلونا نلفظهم برا علشان نقدر نكمل بشكل أسلس وأسهل. أنا بشوف المشكلة عنده هو إنه هو شخص مدعي، بس في ناس أوي مخلصة للفكرة، أو أنا بشوف أنا شخصيًا إن أنا بني آدمة مخلصة للفكرة دي، فمش كل اللي مؤمنين بالأفكار دي مدّعين"