مسعود/ة

مسعود/ة

في بودكاست "دُمْ تَكْ" بنروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابتلهم وجعة راس بحياتهم، بس أنتجتلنا...

نص الحلقة

مسعود/ة العمارتلي

نزلت مسعودة، صبية سمرا نحيفة، ترعى غنمات الشيخ في الحقول. من الضجر بلّشت تدندن ألحان، بصوتها العذب والحزين.

وقفت مسعودة بنص الحقل، ما في غير هي والغنمات. كمّلت تغني وكل شوي بيعلى صوتها أكثر وأكثر. من وراها بيطلعلها شابّين بيمشوا شوي شوي لجهته. مسعودة بتتنبه، بتوقف تغني وبتستنفر. 

الشابين ببلشوا يضايقوها ويتحشروا فيها، لكن مسعودة ما سكتت، وقاومتهم، وربطتهم الاثنين بنفس الحبل، وأخذتهم لعند شيخ المنطقة مربّطين.

هناك، أي عند الشيخ، اعترف الشابين بغلطهم، لكن حجّتهم كانت إنه صوتها الحلو هو اللي أغراهم. أهل المنطقة سمعوا الخبرية فهلّلوا وضربوا المثل بشجاعة مسعودة. 

وبهداك اليوم سنة الـ1916 اختفت مسعودة الصبية السمرا النحيفة، وخلقت شخصية جديدة لابسة العقال والشماغ، هاي الشخصية إلها اسم جديد: مسعود العمارتلي. 

مرحبا فيكم ببودكاست "دم تك" لمعازف ومنصة صوت. أنا رنا داود. بهالبودكاست منروي سيرة فنّانات عربيّات، موهبتهم جابلتهم وجعة راس بحياتهم، بس أنتجتلنا مخزون موسيقي منروّق فيه راسنا. بهاي الحلقة راح نتعرّف على "مسعود العمارتلي" من خلال قصة كتبتها عايدة قعدان، ورح نرويها نيابة عنها.

الأحداث المذكورة بهاي الحلقة هي من المعلومات المتاحة من جميع المصادر، إذا برأيكم غفلنا عن أي تفصيل، خبرونا من خلال تعليقاتكم على مواقع التواصل. 

قصة مسعود العمارتلي ظهرت قدامي وأنا أبحث واقرأ عن سليمة مراد، مغنية عراقية مشهورة بالمقامات العراقية وزوجته لناظم الغزالي، لما قرأت قصتها لمسعودة قررنا نحكي عنها ونأجل سليمة لبعدين.

بمرحلة البحث انتبهت إنه كل مصادر الإنترنت كانت تسميها وتنشر عنها تحت عنوان "المغنية الريفية المسترجلة" أو "المغنية المرأة الرجل" ومسميّات أخرى. فكرت بيني وبين حالي شو يعني استرجلت؟ وشو قصدهم بالمرأة الرجل؟ شو قصة حياتها لمسعودة؟

بحثت أونلاين عن تفاصيل حياتها. أغلب الروايات متطابقة من ناحية الكلام وحتى مراحل الحياة المهمة، ونوعًا ما بتروي حياة مطربة ريفية بسطحية. مع إنها تُعد من أهم الأصوات الريفية العراقية. لكن في معلومتين ما ركبوا براسي، أوّلًا سبب وفاة مسعودة، وثانيًا: ليش ما في أي صورة بتعود لإلها؟

في مصادر بتقول إنه مسعودة مواليد عام 1898 وفي غيرها بتقول إنها مواليد 1901، لكن الأكيد إنها مواليد منطقة ميسان في محافظة الكحلاء جنوب العراق. مسعودة انولدت لعائلة فقيرة، من سُمُر العراق، اشتغلوا خدم عند شيخ المنطقة. عالأغلب بسبب لون بشرتهم. في رواية متداولة، بحكوا إنه مسعودة هي البنت الأخيرة ببيت ما فيه أولاد (أو صبيان)، فأبوها قرر يكذب ع نفسه وع الناس ويقول عنها ولد اسمه مسعود، كبرت مسعودة تلعب مع أولاد المنطقة من الخدم، وتشارك في سباقات الخيل. توفى والدها وهي صغيرة، ولكن هوية الولد مسعود ضلّت مرافقتها بحياتها اليومية. كبرت مسعودة ترعى غنمات الشيخ، وتغني الأغاني الريفية في أوقات الملل. 

لمسعودة كان صديق قريب كثير، وهو الولد علاوي، لكن المشكلة كانت إنه علاوي ابن الشيخ. يعني حرّ، و مسعودة *وقفة خفيفة* كانت خادمة. 

مسعودة وعلاوي كبروا سوا، فخافت أمه الشيخة من صداقتهم وخافت ع تعليم إبنها ليضيع بسبب زيارته لمجالس الطرب مع مسعودة، فقررت تزويج مسعودة بواحد من الخدم لتبعدها عن ابنها، وتخلص منها ومن صوتها ومن همها. 

هربت مسعودة لما سمعت الخبر، مش عشان ما تتزوج بس كمان لأنه الناس أساءت تقدير جنسها وهويتها الجندرية.لما هربت من المنطقة، فقدت مسعودة صديق الطفولة فغنّتله أغنية "يا سكينة".

وصلت مسعودة لقرية المجر، وسكنت مع والدتها في الرضاعة، القصة بتقول إنه ملامحها أبدًا ما بتدل على إذا هي بنت أو ولد (أو صبي)، فكان كتير سهل عليها تغني في مجالس الطرب واللهو. كانت توقف وتغني الأهازيج الريفية بصوتها اللي نضج قبل أوانه. وكل هذا من غير ما أي حدا يميّز جندرها. لكن صوتها شد الناس لإلها، وأثار إعجابهم، وأكثر مَن حبها كان الشيخ خزعل بن فالح الصيهود الملقب بـ"أبو طويرة". 

وقرّر من حبه لصوتها إنّه يحطها تحت حمايته، مع العلم إنّه كان يعرف إنها بنت. لأنها تحت حمايته، قرروا يرجعوا ع العمارة: بلد مسعودة اللي هربت منها. عاشت مسعودة أحلى إيامها، فكانت تلبس لبس فضفاض، وتروح ع مضايف الشيوخ، وتغني لساعات الصبح.

وفي يوم، وصل أمر نفي أبو طويرة من والده الشيخ، يقال إنّه انتشر صيته إنّه بيلهى وبيحتفل لساعات الليل المتأخرة وإنه متزوج من راقصة. هذا الحكي ما عجب أبوه الشيخ، فنفاه لمنطقة الحويزة، ورجعت مسعودة وحيدة، ومع قصة فقدان جديدة. من بعدها كتبت بيوت ولحنت الشعر وغنّت لأبو طويرة. 

بعد رحيل أبو طويرة رجعت مسعودة ترعى غنمات الشيخ، ولكنها ما وقفت عن الغناء وهي عم ترعى الغنم. وبسنة 1916 حصلت الحادثة الي ذكرناها في البداية، تعرضولها شابّين ليتحرشوا فيها، فقاومتهم، ربطتهم بحبال وجرّتهم لشيخ المنطقة، وهناك شهدوا لشجاعتها ولصوتها الجميل، وطبعًا مسعودة ما استنّت كثير، وبعمر 18 سنة، رسميا تحوّلت من مسعودة لمسعود العمارتلي. 

مع ظهور الشخصية الجديدة، سرعان ما انتشر هالإسم، ووصلت شهرتها لكل جنوب العراق من غير ما تثير شكوك أي حدا. عاشت مسعود الشخصية الجديدة، بالعقال والشماغ والدشداشة وشاركت في الحفلات والمناسبات وغنّت الأغاني التراثية العراقية بصوت بتملأه البحّة. صوتها يقال كان الأقرب على الناس، لأنها ببساطة كانت بتمثل تطلّعات الفقراء والبسطاء.

مسعود ما بتعرف الكتابة أو القراءة وما عندها أدنى معرفة أكاديمية في الموسيقى. كانت تدندن الألحان وتغني الاشعار بارتجال مطلق: فاحتلّت قلوب الناس.

كمّلت مسعود تغني في المناسبات والأفراح ومجالس الطرب حتى سنة 1925: لأنّه في هاي السنة، دخل ع حياتها عيسى بن حويلة العمارتلي وهو ملحّن وموسيقي كبير عشق الطرب الريفي والأهازيج، فقرّر ينشره بشكل أوسع.

طريقته كانت إنه يشتغل وكيل لأكبر شركات التسجيل في العراق، ورجع ع الريف ليبحث عن مطرب ياخذه معه ع بغداد لمدة شهر. فأول من اختار كانت مسعود.. أو مسعودة، كيف ما بتحبوا.

وصلت مسعود مع عيسى لمدينة بغداد. تحت تعريف رجل يدعى مسعود العمارتلي من ريف العراق. بالنسبة لمسعود هاي أول مرة بتغادر جنوب العراق والبيئة الريفية، وبتزور المدينة ومش أي مدينة… بغداد.

دخلت مسعود شركة تسجيل الأسطوانات في بغداد، وأبهرت الكل بصوتها الريفي الحزين. كانت ألحانها مميزة وصعبة مع العلم إنه هي كانت تلحّن أغانيها لآخر أيامها. 

من إجراءات شركات التسجيل، كان تصوير المطرب في الاستوديوهات وتوثيق حضوره أو حضورها، وهاي كانت فرصة مثلى لتوثيق وجه مسعود. لكن ما في غير صورة واحدة دارجة على الإنترنت، وما كانت بستوديو. 

في البداية أنا كمان اقتنعت إنها صورتها، لكن شكّيت لما قرأت إنها ماتت وهي عمرها 47 سنة، وبهاي الصورة مبينة شوي أكبر. حبّيت أعرف شو قصة هاي الصورة؟ 

في مقابلة إله على صحيفة صوت العراق، بيقول شيخ الموثّقين العمارتليين الأستاذ جبّار الجويبراوي إنه في سنة 1978 كان عم يحضر لملف موسّع عن مسيرة الفنانة مسعود العمارتلي لمجلة الفنون، لما قدّم الملف لمسؤول قسم الموسيقى سأله: وين صورة مسعود؟ فجاوبه الاستاذ جبّار: ما في صورة لمسعود. فأمره رئيس القسم إنه "يخلقله صورة". 

بعد رحلة بحث طويلة بيرويها الأستاذ جبّار، قدر يوصل لعديل مسعود العمارتلي. الفنان كريري السلمان. وطلب منه يوصفله مسعود، فقاله: سمرا، كثير سمرا. وجهها ضعيف وفي أنفها جرح سببه انشقاق، بتلبس عقال وتحته قطعة قماش بيضا. هاي هي ببساطة المواصفات الموجودة عن مسعود. 

بيقول أستاذ جبّار إنه حسرته كانت كبيرة على عدم وجود صورة لشخصية بهالأهمية، وبهالصوت العظيم، ليش ما يكون لشكلها تجسيد؟ أنف وعيون ووجه يعطوا شكل للصوت؟ حسرته حفّزته إنه يحل المشكلة: فأصر الاستاذ جبّار إنه يخلق صورة تمثّل مسعود العمارتلي. صورة مفترضة طبعا. 

الخطوة الأولى لهالصورة كانت يلاقوا صورة لمطرب اسمه جلوب دهش رافق مسعود ببغداد. 

الخطوة التانية كانت يلاقوا شخص بيطابق المواصفات الي ذكرها الفنان كريري.

بحثوا وبحثوا، لحد ما لاقوا إمرأة سمراء كثير وفيها شبه كبير من مسعود. وفعلا، صوّروا هالستّ وركّبوا وجهها مع جسم المطرب جلوب دهش. 

الخطوة الثالثة بحسب الأستاذ جبّار، كانت إنه يحفر ع صورة الإمرأة بالإبرة والموس جرح على الأنف. أخذ معه كثير وقت ودقّة وصبر. ولما انتهى، صوّروا الصورة، وحمّضوها أكثر وقت حتى يبيّن عليها إنها قديمة، وهيك شاعت الصورة المفترضة لأول مرة سنة 1980. وانخلق وجه افتراضي لمسعود العمارتلي. يعني فوتوشوب يدوي. 

مسعود سجّلت أسطوانات عديدة، وزادت شهرتها وغنّت مع مطربين ريفيين تانيين مثل حضيري أبو عزيز، اللي أصبح من أعز أصدقائها في بغداد. أغنية مثل...

سكنت في بغداد سنوات عديدة، وسنة 1936 مع افتتاح دار الإذاعة العراقية قدّمت مسعود وصلات طربية حيّة، ما في أي مصدر بأكّد عدد المرات الي قدّمت فيها وصلاتها للإذاعة. ومع كل هذا ما في صورة لإلها. 

بأواخر الثلاثينات ومع ازدياد شهرتها، سافرت مسعود لحلب وسجّلت الأسطوانات بشركات التسجيل السورية، من أشهر أغنياتها كانت أغنية "يا بورديِّن" اللي كتبتها ولحنتها وغنتها سنة الـ1937. ما في أي أداء حي أو مسّجل بصوت مسعود، لكن ما ضل مغني عراقي أو شامي ما غناها من بعدها. 

أكثر ما بيميّز مسعود إنها كانت تغني البستة.  البستة هي الغناء الموزون تتغنى بعد مقدمة موسيقية للمقام وبتنسجم معه كل الانسجام. لكلام البستة انواع كثيرة، والي اشهر مسعودة هو الكلام الدرامي في اغنياتها.. مثل الاغنية هاي: 

البستة صوّرت حالة المجتمع العراقي بأفضل شكل، وساهمت بتوثيق اهم الجوانب من حياة الناس والمطربين بشكل عفوي وصادق، ولكل اغنية ولكل بستة قصة معينة.. والاجمل في قصة مسعودة انها كانت عفوية حتى في الحانها، كلماتها وصياغتها، الشيء الي جعلها الاقرب لقلوب الناس. 

مسيرتها الفنية امتدت من العراق، للشام وحتى لبنان. سجّلت مجموعة من أغنياتها في كل واحد من هدول الأماكن، ناهيك عن ليالي الطرب اللي قضتها في مضايف الشيوخ. لكن الغريب إنّه مجموع أغنياتها كلّها المسّجلة والمتاحة ما بيزيد عن ساعة ونص. 

ما فينا نجزم إذا اعتناق اسم مسعود بدل مسعودة، ولبس العقال والشماغ كانت حركة فقط من أجل الموسيقى، ولا إذا فعلا مسعود قرّرت تحتضن هويتها الجندرية. لكن في الحالتين، مسعود بمسيرتها الفنية بتجسّد ثورة وجرأة كبيرة بتستدعي الاحترام. 

في أغانيها المشهورة بالبستة واللحن الحزين والإرتجالي، سطّرت مسعود أهم مراحل الطرب العراقي. لكن شو كان المضمون في الاغلب؟

مسعود غنّت لهموم المراة في هداك الوقت، غنّت للريف، للحب العذري، للفقدان، وغنّت ضد ظلم الرجال للنساء، ففي واحدة من أغاني مسعود بيظهر إنه كرامة البنت أعز من لقمة العيش، ولو رجل إقطاع ضايقها بعد ما رفضته، عليها تمسك عصاها "ملواي" وتتصداله.

بسنة ال1944 رحلت مسعود العمارتلي عن عمر ما بيتعدى ال47 سنة. القصة الشائعة بتقول إنه مسعود تزوّجت مرتين، المرة الأولى من خادمة اسمها "اشنينة". ما في كثير تفاصيل حول الزواج، أو طبعه أو كيف انتهى. لكن يقال إنه مسعود تزوّجتها لتحميها من بطش الاغنياء، ومش لأجل الزواج، وبما إنه مسعود "رجل" بأعين الناس، فكان عندها الصلاحية إنها تحميها. 

لكن زواجها المزعوم الثاني، هو اللي شكّل نهايتها بحسب الرواية الدارجة. ما في تفاصيل حول الزواج، كيف تم ووين ومتى، لكن منعرف إنه اسم الزوجة "كاملة"، وإنه هالزواج سبّب لمسعود متاعب كبيرة ومشاكل كبيرة ووجعة راس، وانتهى بمقتل مسعود، واتهام كاملة بدس السم في أكلها. 

الروايات حول أسباب وفاة مسعود متضاربة، منها اللي بتقول إنه كاملة قتلت مسعود بعد ما اكتشفت إنها امرأة ومش رجل. وفي روايات أخرى بتقول إنه قتلتها بدافع الغيرة، وغيرها بقول انه مسعود توفّت وحيدة بمرض السل. 

 ما حدا بيعرف شو صار عن جد، لكن بعد كل البحث والاغاني اللي سمعتها والقصص اللي قرأتها وحكينالكم إياها بهالبودكاست، فيي قول إنه مسعود قرّرت تدير حياة جريئة، بإسم الغناء والموسيقى، وإنها سطّرت اهم الاغنيات في مخزون الموسيقى العراقية. وبتستاهل تضل تنذكر. 

***

قصة هالحلقة كتبتها عايدة قعدان ورويناها نيابة عنها. حرّرتها صابرين طه، ومنتجها تيسير قباني من صوت، وقدّمتلكم ياها أنا رنا داود. اشتركوا بقناة دم تك على أي وسيلة بودكاست بتفضّلوها وتابعونا لتسمعوا قصص فنّانات عربيّات بالحلقات الجاي.

 

رصيد الأغاني بحسب ظهورها:
يلوموني المايدرون، مسعود العمارتلي
أغنية البودكاست: لما بدا يتثنى، شيرين أبو خضر، دوزان
يمَّه هلا، مسعود عمارتلي
سوده شلهاني، مسعود عمارتلي
يا سكينة، مسعود عمارتلي
أبو طويرة، مسعود عمارتلي
 عينه شكبرها، مسعود عمارتلي
على درب اليمرون، حضيري أبو عزيز
بلادي وإن جارت علي عزيزة، محمد الفبانجي
ذبي العباية، مسعود العمارتلي 
 عايل يا أسمر، مسعود العمارتلي
يا بورديِّن، ذياب مشهور
يا بورديِّن، سميرة توفيق
يا بورديِّن، الصعاليك
يا بورديِّن، رنا خوري
يلوموني المايدرون، مسعود العمارتلي
نويعة، مسعود العمارتلي 
إنولينا خوية يا بدرية، مسعود العمارتلي