صوت من السودان: طفولة غير شرعية

صوت من السودان: طفولة غير شرعية

في الوطن العربي يُعتبر الأب الرابط الأساسي بين الفرد والدولة حيث يتم تناقل الجنسية عن طريق الوراثة...

نص الحلقة

خرائط اللامكان

الحلقة الأولى- طفولة غير شرعية: صوت من السودان

ولا عندي أي إثبات إله، بس هو صح أنا ابني وفي حشاي شلته ، كيف أثبت بإنه هاي سيف ابني؟ ما في 

متل كتير صحفيين، عندي أسئلة ما بتخلص. بأي وقت و بأي مكان عندي سؤال. ومع انه أسئلتي متشعبة كتير، فيه محور واحد بيجمع معظمها. مفهوم الهوية. شو يعني اني أكون عربية؟ هل منختار هويتنا ولا هي مُنزلة علينا؟ طب لو منختارها، شو بختار أكون عربية أجنبية، بنت ، ولد، غنية فقيرة؟ 

المهم، من مخزون هالأسئلة انولد برنامجنا. برنامج "خرائط اللامكان" اللي بيبحث عن الهوية في عدمها، في نقيضها. يعني بدل ما نسأل عن الجنسية رح نسأل عن الفراغ الموجود بغيابها.  وبدل ما نفهم جوازات السفر رح انحاول نفهم فقدانها.   

عشان هيك رح نسمع لأصوات فاقدي الجنسية في الوطن العربي الي على فكرة بيوصل عددهم حوالي نص مليون.  

معكم تالا العيسى من بودكاست "صوت" المعني بتوفير مساحة صوتية من والى العالم العربي.  في حلقتنا اليوم: "طفولة غير شرعية" رح نحكي عن مفهوم الأمومة لما تتقاطع مع فقدان الهوية،  وعن معنى الطفولة بغياب اثبات رسمي. خليكم معنا لتسمعوا صوت من السودان.

مين أبوه؟ ، انسئلت مريم في دائرةِ الأحوالِ المدنيةِ، لما راحت اتسجل ابنها سيف بعد ما ولدته بالمفرق.

أنا قلتله الأب متوفي ، إيش بدي أعمل في الحالة دي؟

انطلب من مريم انها تقدم شهادة وفاة وعقد زواج مصدق، بس ما كان معها غير بلاغ من المشفى. وين عقد الزواج؟ وين شهادة الميلاد؟ أسئلة مهمة. ولكن السؤال الأهم كيف ممكن اتصادق على زواج ما حصل أو تثبت وفاة رجل مجهول. 

، حاولت مريم انها تخفي الحقيقة لتتجنب مجتمع ظالم و تحمي حالها من الترحيل، لأنه الزنا بالسودان يعتبر جريمة ممكن تؤدي لاعتقال المرأة. 

سيف أنا حاملاه وطول الفترة وإحنا نتنقل ونمشي وما عنده أي إثبات، وما عندي ولا إشي أنا ، ولا إشي ، صفى إيش لمين أنسب؟ بس هو صح أنا ابني وفي حشاي شلته ، كيف أثبت بإنه هاي سيف ابني؟ ما في

وهيك من دون أي إثباب للنسب، ضل سيف من دون تسجيل و من دون جنسية. وحتى لو قدرت مريم تصدر شهادة ميلاد لابنها، ما كان رح يقدر يتجنس لأنه القانون السوداني بيمنع الأم من توريث جنسيتها لأبنائها، إلّا في حالِ تمّ تقديمُ طلبٍ بموافقة الأب.

صفى إيش سيف شهادة ميلاد أنا ما طلعتله، وعشان أضيفه في الباسبور عندي لازم يكون عنده شهادة ميلاد وعنده ورق من أبوه.

كان ممكن انه يتسجل الطفل على اسم ابو مريم، بس ما حدا من العيلة كان عارف بالقصة، وما كان سهل على مريم انها تواجه أبوها.   

اذن الأب مو متوفي. وفي رحلة بحث عنه رجعنا لدارفور وين ما كانت مريم وزوجها و بنتها عايشين و ما كان سيف خاطر عالبال.

خريف 2007 -دارفور

كانت مريم قاعدة ببيتها لما سمعت صوت انفجار 

إحنا مناطقنا هناك اتحرقت نهائي ، اتدمرت. أنا زوجي اتحرق بالسيارة، في منطقة اسمها "شوبة" بكبكابية.  طالع معاه أصحابه بالسيارة ومعاهم حرس والشوفير سايق ومعاه تنين من أصحابه، كلهم حرقوا في نفس الوقت. قمت طلعت أخدت أغراضي ومشيت لإله، لقيت بس وشه، جسمه كله إتأكل ، بس وشه ، شفت وشه عرفته.

بهاد الوقت كان مارق 4 سنين على بداية الحرب في دارفور بين فصائل المعارضة والقوات الحكومية. ولحتى يومنا هاد أدت الحرب الي تهجير حوالي 3 ملايين مواطن وقتل مئات الآلاف.

ما بتعرف مريم إذا كانت القذيفة اللي قتلت زوجها تابعة للمُعارضة أو القوات الحكومية. الاشي الوحيد اللي بتعرفه هو انها أصبحت مُستهدفة من الحكومة بعد الحادثة. بلش الاستجواب في بيتها.

من جوزي ، وين مرته، وين أولاده؟ "وين فلان الفلاني؟" وقالولي جوزك معارض، قلتلهم أنا ما بعرف المعارضة لا بعرف شي، إنتوا لمن قتلتوه بتعرفوا معارض وإلا لا ، أنا ما عندي دخل "إلا تورينيا إنت مين أصحاب جوزك" ،، قلتلهم ما بعرف عرفتي؟ هاي هو، من الوقت دا كل يوم والحياة متدهورة.

كانَ النفيُ سبب كافي  للمُستجوبينَ أنو يعتقلوا مريم في سجن بمنطقة اسمها الفاشر.

 قعدت بالسجن، يمكن أسبوع

بغطوا وشك، بياخدوكِ وبودوكِ محل ، محل بس غرفة وحدة بتكون ، المنفس هيك صغير، زي شباك مربع كتير صغير، إنت بتكوني قاعدة هناك ولا حدا بكون معاكِ ، يعني لو ما حدا قوي ما بقدر بقعد.

لحالك بتكوني قاعدة، بعد ذاك شوية ضرب ينادوكِ يضربوكِ ، د يضربك دا يضربك، يلطشوكِ ملطشة هيك لإلهم عرفتي؟

أنا هاي الفترة هاي ، أنا اللي حملت فيها بسيف من الـ.. عرفتي.. من العساكر، ما بعرف! واحد بده يريح دماغه 

من وقتها قررت مريم انها تترك السودان وتعيش ببلد آأمن فأصدرت جواز سفر جديد وفيزا علاجية للأردن وهناك عاشت مع أصدقاء الها في المفرق واشتغلت بمجال التجميل.

في بالأردن حوالي 4 الاف لاجئ سوداني مسجل في المفوضية، تم ترحيل 700 شخص منهم السنة الماضية.

بعد ذاك أنا حسيت إنه بداي حِمل عندي، بقيت هيك لعيان وهيك، والدورة ما اجتني حسيت إنه هيك من الضغط النفسي.

مين أبوه إذن والدُ سيف عسكري مجهول.

بعد ولادة سيف رحلت مريم لعمان واشتغلت في صالون تجميل بالرغم من انها كانت محظورة من العمل بصفتها لاجئة. 

بس كيف نعيش؟ لازم نشتغل ، تشحد من الناس؟ ما تقدر لازم إنتَ تشتغل ما دام الواحد عنده قوة وبقدر يشتغل ، لازم يشتغل

عدم وجود شهادة ميلاد أو جواز سفر  لسيف شكل لمريم مشاكل كتيرة. فمثلا كان من شبه المستحيل ادخال سيف للمستشفى سواء كان حكومي أو خاص من دون أوراق ثبوتية. لما في يوم من الأيام انقطع اصبع سيف، أخدته مريم على أقرب مستشفى خاص.

الدكتور بحكيلي وين الباسبور، قلتله أنا بس خطفته هيك وجيت ، ما بصير قال لي أعالجه ، لازم يكون عنده أوراق ثبوتية، كيف تنحل هاي ، قلتله هاد الولد بنزل دمه بدفق ، أنا أتركه هيك ، كيف الإنسانية؟ لازم يكون عندك إنسانية، إنتَ إعمل اللي عليك وأنا بروح بمشي بجيب ليك، هاي الولد أصلاً ما عنده إشي بثبت إنه هو، قلتله اعتبر انه هاد الولد أنا لقيته بالشارع وحملته وجبته أسعفه بتركه هيك؟

لولا تعاطف طبيب آخرْ ومديرِ المستشفى، كان ما قدرت مريم تطلع من الورطة. أمّا مرضُ سيف بالتوحد، تم عِلاجُه في عيادات ومراكز خاصةٍ ما بتشترِط وجود هُوية.

وفي 2009 لما صار سيف عمره سنة تلقّتْ مريم توطين على أميركا عن طريق المُفوضية.

عملولي توطين لأميريكا ، سيف ما عنده ورق معي ولا بقدر باخده ومن البلد ما بقدر أطلعه ، عشان هيك أنا تخلفت من السفر بسببه، يعني وقتها كان أنا بأميريكا من زمان ، برضو نصيب.

مشاكل العلاج والتوطين نسبة لمريم كانت بسيطة كتير أمام احتمالية فراقها عن سيف اللي كانت على وشك انها تتحقق لما انضرب سيف بسيارة في شارع من شوارع عمان وتم استدعاء الشرطة. طلع الطفل سليم بس المشكلة انه الشرطة قرّر تيحقق من هُوية المُتضررين. 

وين أوراقه للولد هاي؟ قلتله ما عنده، "ليش إنتِ ماخدة ولد بدون أوراق؟" قلتله هاي ابني، لسا ما طلعتله أوراقه، بس هاي ابني هاي يوم ما ، كثير برضو كان صعب، يعني كان لازم ياخدوه ، يودوه مركز الحسين  ولازم يعملوا فحص، قلتله هاي سوداني، وشكله شوفه سوداني، وشوف الولد بشبهني، هاي ابني أنا أشيل أولاد الناس؟

أَمَر الشُرطي مريم أنه تفتح بلاغ في المخفر، وهناكَ ترأَّف الضابِط بحالِتها وسَمَحَلها تطلع. 

هاد هو  حالُ مريم، في كلِّ مرّةٍ بتتعرض مشكِلَة، بتتمنى أن تصادفَ شخص يترحمُ عليها، أو أنه يحالِفَها الحظُّ لتقدر توفرَ لابنهِا حقوقه البسيطةَ. لكنها ملّت من الاعتمادَ على الصدفِ، خصوصا انه الحظ ممكن يخذلها في أيِّ لحظةٍ. وعشان هيك قرّرت تستوعب القانون بدل ما اتواجهه: إنْ كانَ الزواج هوَ الشرطَ لخروجِ ابنها من عالم الأشباحِ، فليكنْ.  

واحد هون سوداني، اتعرفت بيه وعملنا قسيمة زواج، هو رجع عالسودان جابها وبعتها لإلي ، من السودان

تزوّجت مريم من عامر اللي عَرَض أنو يساعِدَها في 2010 لما قابَلَها في عمّان خلالَ زيارته الطبية. وهيك صار عندها عقد زواج بس بتاريخ بيبعد عن ولادة سيف بسنتين

كانت شهادة الميلاد 2008 وشهادة الزواج 2010. لما قدمت هذه الأوراق عادي قبلوها ولا سألوني ولا اشي. ربنا زي ما قال عمى بصيرتهم من أي اشي. وافقوا لي بكل اشي.

شكله لسا ما كان الحظ مستعد انو يتخلى عن مريم. وأخيراً اتسجل سيف! 

بس قصتنا ما بتخلص هون. انه يكون الطفل مُسجل ما يعني أنه مواطنٌ. شهادة الميلاد هي فقط إثباتٌ لمكانِ الولادةِ، والعمرِ وهوية الوالدين. ضل على مريم انها تروح على السفارة السودانيةِ لإصدارِ الجنسيةِ لسيف وإضافَتِهِ على جوازِ سفَرِها. 

وين أبوه؟  وين عامر؟ سألَهَا الموظَف

أنا قلتله الأب متوفي ، إيش بدي أعمل في الحالة دي؟

للمرةِ الثانيةِ بتقولُ مريم أنّو الأب متوفي، بس هاي المرّةُ ما كانت عم بتقول إلّا الحقيقةَ.

، بعد زواجنا، زواجنا 2010، سافر السعودية هو في نفس الوقت وبعتلي الورقة من هناك بعدين انقطع مني، ما عرفت وين هو ، رنيت إله تلفون وما حكالي أنا بدي أسافر ، بدي أعمل ، ما حكالي.

سمعت مريم من معارفَها أنّو عامرَ توفى في السعودية. وكأنه الزمن بعيد نفسه انطلبَ منها تقديم شهادةَ وفاةٍ. 

ميت، جيبي شهادة وفاة، وجيبي موافقة من عمه ، يا سيده، قلتلهم أنا ما بعرف حدا من العيلة

السفارة رفضوا يضيفوا سيف، نهائي! إلا تجيبي موافقة من ولي أمره، قلتلهم عندي قسيمة زواج، عندي باسبور لإله، لازم هو يوافق أنا المرة دي اتضيف ابني

ما ضاف القرار الا قهر وحزن أكتر على حياةِ مريم الي كانت عم تبحث باستمرار عن مفهوم للأمومة في مُجتمع ذكوريٍّ بيخلي فيهِ المُغتَصِب نفسَهُ من أيِّ مسؤولية، بينما بيُستخدَمُ القانونُ لجلدِ الضحيةِ.

يعني أنا هاي دوري إيش؟! بس دوري أنا أولد ، أحمل وأولد وأرضع وأربي وأقوم بالطفل، ما عندي دور تاني بالمجتمع! ما بتساعدي بإشي إنتِ اللهم بس أم، إيش الأمومة هاي يعني بس بالبيت، احتياجاتك انتهت على هيك ! المرأة مظلومة كتيرعن جد كتير المرأة مظلومة.

ما كانت مريم بتعرف أي حدا من عائلةِ عامر و لكن بعدَ بحث طويل قدرت توصل لعمه عن طريق الفيسبوك. طلب العم 100 دولار مُقابلَ إرسال الموافقة وشهادة الوفاة.

بعتها لإلي، أخدت شهادة الوفاة ، رحت المحكمة عملت لسيف حجة إعانة ، إنو أنا المسؤولة منه ، بهاي الطريقة أمورنا مشت.

بعد مشوار طويل اتجنس سيف لما صار عمره أربعة. وهو هلأ عايش كلاجئ سوداني في الأردن و عم يستنى مع امه رد 

التوطينِ من كندا.

عشان هيك شوفي قدر ما أنا بعايل الأزلام، مرات في إشي بحس نفسي أنا أحقد عليهم وإلا أنا إيش هنا ، يعني شعور غريب بالنسبة للرجل أنا لما أشوفه هيك، مرات باشمئزاز هيك أنا بعايل لإله، مرات ما بعرف تاني برجع بعيش وضعي عادي، عرفتي؟

تزوجت مريم لأنّها شعرَتْ بأهميّة وجود رجل جنبها يحميها من باقي الرجال

أنا كمان فكرت فيها قلت أنا ابني كمان بده أب لإله يوقف معاه ويكون معاه وأنا بدي زلمة يحميني ، يعني أحس بإنه أنا في زلمة عندي، يعني كان صارت معي شغلات كتير أنا ، حبيت يكون في، في البيت يكون في زلمة، قمت وافقت بهاي الإشي، وتزوجته والحمدلله، عايشين

كنت معكم من الإعداد والتقديم تالا العيسى من منصة صوت، وأنا محمد حجازي من الهندسة الإذاعية. تابعونا بالحلقة الجاي لتسمعوا صوت من كردستان سوريا.